الغرب يُعطل حواسه عن التغيرات في الاقتصاد العالمي
لما جمال العبسه
26-09-2024 12:48 AM
العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا وما رافقها من صلف غربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه موسكو وفرض العقوبات غير المسبوقة عليها أحدثت خلال عامين ونصف تحولا في مجرى نهر الاقتصاد العالمي، وكأن هذا التحول كالماء سار من بين قدمي المعسكر الغربي المحتشد لتقويض روسيا اقتصاديا وسياسيا بسبب رفضها الانصياع للنظام العالمي أحادي القطب.
الآن يمكن سرد جزء من هذه التغيرات الجذرية التي تم مناقشة بعضها باستفاضة وشملت الرأي والرأي الآخر وتوقعات كلا الطرفين مؤيدين ومعارضين، مع الأخذ بعين الاعتبار صواب التحليلات واسسها من خطأها.
على سبيل المثال، كان التحدي الاكبر تقييد الاقتصاد الروسي بفرض عشرات الآلاف من العقوبات التي تنأى عن حملها العديد من الاقتصادات الغربية القوية، ليفاجئ هذا الاقتصاد العالم بأسره بأن هناك خطة اخرى بديلة تتوقع كل ما جاء به الغرب من ضغط على موسكو وتتمكن من امتصاص الصدمات بل وتحقيق تقدم اقتصادي على المستوى العالمي في الكثير من القطاعات، وكذلك الحال بالنسبة للصين.
كان هناك كيان اقتصادي يستخف الغرب فيه بشكل أو بآخر، هذا الكيان المسمى مجموعة بريكس «البرازيل، روسيا، الهند والصين» الذي نشأ ونما بتأنٍ ضمن خطى ثابتة مدروسة اصبح الآن مهددا بقوته لتجاوز اقتصادات قائمة منذ عقود بل و تشكل محورا أساسيا في السياسات الاقتصادية والمالية على المستوى العالمي كمجموعة السبع الكبار G7، «بريكس» اصبح الآن مطمعا للكثير من الدول الغنية للانضمام اليه، خاصة وانه كيان بدأ بالتحرر من استخدام الدولار كعملة تبادل تجاري، بل واقر باستخدام العملات المحلية لهذه العمليات، لتحل معه المعضلة المتعلقة بعملات الدفع والتي عادة تحتاج لوقت طويل للتحرر منها.
كما يمكن اعتبار ان اجراءات دول بريكس وبريكس+ «التوسع في المنظمة بعد الموافقة على انضمام دول اخرى اليها» بإنشاء بنية تحتية للمدفوعات امرا هاما للتحرر من سطوة القرار الغربي تجاه المؤسسات المالية في اي من دول المنظمة، بالتالي المحافظة على تدفق وارداتها وصادراتها دون معوقات مالية.
أما الأمر الآخر الاكثر اهمية هو تأكد دول العالم خاصة تلك التي تمتلك احتياطات نقدية في دول غربية ان اموالها ليست في أمان، خاصة وان الغرب بقيادة واشنطن يسمح لنفسه بمصادرة وتجميد اصول الدول الاخرى للصالح الذي تراه مناسبا من وجهة نظرها، كما فعلت في اموال روسية تمت مصادرتها دون وجه حق.
أما الذهب الاسود فحدث ولا حرج، فقد اصبحت منظمة اوبك واوبك+ متحكمتين بفعالية بحجم الامدادات للاسواق العالمية، لتتجاوز بقيادة السعودية وروسيا الضغوطات الغربية بشأن كميات الانتاج لصالح الدول المنتجة وميزانياتها، وترجع الى السوق تعادلا ما بين الطلب والعرض لتحقيق مستويات سعرية عادلة.
والآن تمكنت «بريكس» وحدها دون الدول المنضمة حديثا للتحالف الذي اطلق عليه «بريكس +» وضمن الكثير من الاجراءات من ان تشكل ثلث الناتج الاجمالي العالمي اي اكثر من مجموعة السبع الكبار، وان تستحوذ على 20% من حجم التجارة العالمي، عدا عن سلسلة التوريد، وعن الثروات والمعادن، بالاضافة الى انها مازالت ذات سطوة على قطاع الطاقة العالمي خاصة الغاز.
بات تغير شكل الاقتصاد العالمي واقعا لا انفكاك منه، والوقوف في وجه هذه التغيرات من خلال استخدام القوى العسكرية لاحداث تغيرات جيوسياسية واشاعة الفوضى في العالم اصبح لا يجدي نفعا، كما ان الانصياع لقوة القطب الواحد اضحى من الماضي، فهل للغرب استيعاب كل ما يحدث الآن ... أم أن لديه الصبر والجلد في اثبات انه قادر على اخضاع العالم بقوة الدولار للتحكم في مصائر الدول وشعوبها.
الدستور