يعتقد العلماء ان الكون وقبل الإنفجار العظيم قد تمدد وتوسَع بشكل مفاجئ وسريع ادى الى مضاعفة حجمه اكثر من ثمانين مرة في اجزاء من الثانية. ولتقريب الصورة لذهن القارئ فإن تمدداً بالشكل المعني في زمن مقداره جزء واحد من الف مليار جزء من الثانية كاف لتشكل الكون المعروف لنا حاليا.
هذا التمدد المفاجئ والسريع قد حدث بفعل طاقة غامضة في الفضاء، او مايعرف بطاقة الفراغ. احد نتائج هذا التمدد المفاجئ هو انخفاض درجة حرارة الكون الشديدة الى درجة حرارة مايعرف بالصفر المطلق. بعد توقف التمدد الكوني تشكلت الظروف المناسبة لتحول طاقة الفراغ الى جسيمات واشعاعات والتي ادت الى تكون مادة البلازما الحارة بدرجة حرارة تصل الى حوالي 10 مليارات درجة مئوية. مادة البلازما كانت هي وقود الإنفجار الكوني العظيم الذي حدث قبل حوالي13.9 مليار سنة والذي صاغ الشكل البدائي للعناصر التي تكونت منها النجوم والمجرات التي نعرفها حاليا.
خلال الدقائق القليلة اللاحقة للإنفجار بدأت مرحلة تشكل العناصر الخفيفة حيث كانت في غالبيتها عبارة عن انوية الهيدروجين ومعظم مادة الهيليوم المعروف حاليا، واللذان هما مادة الوقود النووي في النجوم. في هذه الأثناء كان الكون معتما حيث ان الإلكترونات المتكونة شكلت سحابة كثيفة عملت على تشتيت الضوء وعدم السماح له بالنفاذ.
استمر الكون بفقدان الحرارة، وبعد حوالى 380000 سنة من لحظة الإنفجار اصبحت درجة الحرارة مناسبة لأن تتكون ذرات العناصر المعروفة والتي هي عبارة عن انوية تدور في فلكها الإلكترونات المدارية. في هذه الأثناء وحيث ان الإلكترونات اصبحت مرتبطة بالأنوية تقلصت السحابة الإلكترونية مما ادى الى تقليل عملية الإمتصاص والتشتت الضوئي وصار الكون اكثر شفافية حيث يستطيع الضوء الإنتقال لمسافات طويلة. اضف الى ذلك فإن الذرات الأولى المتكونة هي ذاتها متوهجة وباعثة بمايعرف بخلفية الميكروويف الكونية والتي هي بذور تكوّن النجوم والمجرات لاحقاً. إن الخلفية الإشعاعية الكونية هي اقدم اشعاع معروف والذي يمكن قياسه حاليا، ويعتبر احد اقوى الأدلة على نظرية الإنفجارفي نشوء الكون.
عاد الكون معتماً لحوالي 200 مليون سنة لاحقة بفعل الأثر الإمتصاصي لذرات الهيدروجين للضوء. في هذه الأثناء، صارت المكونات الرئيسة للكون في معظمها عبارة عن ذرات الهيدروجين، وكمية قليلة من الهيليوم وشذرات من عناصر اثقل قليلا. وحيث ان التوزيع الحراري الكوني لم يكن متجانسا في الكتلة الغازية الكونية فقد اصبحت المناطق الباردة بطيئة في حركتها مقارنة بما حولها فتشكلت كتلاً غازيةً ذات كثافات عالية. بدأت هذه الكتل بجذب كتلاً غازيةً أخرى بحيث تشكلت تجمعات متراصة ذات درجات حرارة عالية في مركزها مما سمح بإحداث الإندماج النووي بين العناصرذات الكتل الخفيفة. هنا بدأت النجوم الأولى بالتكوّن والنشوء بكتلة تصل الى 300 ضعف كتلة الشمس المعروفة لنا وتوهج ولمعان يصل الى مئات أضعافها، علما ان الشمس تعتبر من اصغر النجوم المعروفة وتصل درجة الحرارة في قلبها حوالي 14 مليار درجة مئوية وضغط يعادل 400 مليار ضعف الضغط الجوي الأرضي. لابد من ملاحظة ان الإندماج النووي الشمسي يحدث في قلبها.
بمئات الملايين من السنين بدأت النجوم بالتجمّع لتشكيل المجرات الكونية الأولى لكنها لم تكن لامعة بسبب الكتلة الغازية الكثيفة. وبمرور الوقت وبعمر كوني مقداره حوالي مليارسنة ونتيجة للإشعاعية المتكونة فإن الأشعة فوق البنفسجية ذات الطاقة العالية استطاعت تأيين ذرات الهيدروجين، المكون الرئيسي للنجوم، مما يعني ان الكتلة الغازية اصبحت اقل كثافة الأمر الذي سمح للضوء الإنتقال الى مسافات اكبر وبذلك اصبح الكون لامعا بالكيفية التي نراها حاليا.
لم يكن الإندماج النووي على الصيغة التي نراها، والذي هو وقود النجوم، معروفا حيث تم ادراكه فقط اعتمادا على تطورات علمية رئيسية حدثت بثلاث مراحل: المرحلة الأولى بدأت بإطلاق مبدأ تكافؤ الكتلة والطاقة لأنشتاين حيث يمكن تحويل الكتلة الى طاقة اشعاعية او الطاقة الى جسم كتلي. المرحلة الثانية بدأت بتحديد وقياس الكتل الذرية للعناصر ومعرفة أن مجموع كتلة مكونات النظائر منفصلة اكبر من كتلتها مجتمعة. وعليه فقد تم افتراض ان اربع ذرات هيدروجين يمكن ان تندمج في الشمس او النجوم الأخرى بعملية الإندماج النووي لتشكل نواة الهيليوم، وفرق كتلة عملية الإندماج يتحول الى طاقة. يبقى السؤال المهم حول درجة الحرارة اللازمة لإتمام عملية الإندماج النووي حيث ان درجة الحرارة المفروضة غير كافية بالتفكير الكلاسيكي لإتمام عملية الإندماج. هنا دخلت المرحلة الثالثة بالتفكير العلمي وهي مرحلة ادخال ميكانيكا الكم والتي من خلالها اكتملت اركان فهم عملية الإندماج النووي. بل أنها اصبحت الفرضية الرائجة في تكوين العناصر الأثقل من اندماج أنوية خفيفة مثل إمكانية إنتاج الكربون من اندماج ثلاث انوية من عنصر الهيليوم بعمليات معقدة. هكذا تم تفسير إنتاج العناصر الطبيعية الخفيفة المعروفة في الجدول الدوري والذي يتشكل من عناصر الهيدروجين الى اليورانيوم.
من هنا بدأ الإدراك ان عملية الإندماج النووي هي العملية الأساسية في انتاج العناصر، وأنه يمكن استغلال هذه العملية لإنتاج الطاقة الإندماجية على الأرض. فلقد بدأت أولى محاولات محاكاة الإندماج النووي في بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية. من الجدير ذكره ان هذه المحاولات قد وصلت الى مراحل متقدمة حيث يُؤمل بناء المفاعل النووي الإندماجي التجريبي، والذي سينتج حوالي 500 ميغاوات ويستمر 10 دقائق، وذلك من خلال المشروع الأوروبي في جنوب فرنسا.
بانتهاء الوقود النووي فإن النجم يمكن يتحول الى مايعرف بالقزم الأبيض بفعل قوة الجاذبية الكبيرة، او نجما متألقاً ضخماً (سوبرنوفا) بدرجة حرارة يمكن ان تصل الى 600 مليون درجة مئوية. هذا النجم يمكن ان ينفجر بما يعرف بانفجار السوبرنوفا الذي سيرسل اشعاعات ومادة ضخمة في الفضاء المحيط. لابد من الإشارة الى ان مايحدد طريقة انتهاء النجم هي حجمه ودرجة حرارته حيث ان الشمس التي نعرفها ستتحول الى قزم ابيض في غضون 4.5 مليار سنة.
تكمن اهمية السوبرنوفا بأنه البيئة المثالية لإنتاج العناصر الثقيلة المعروفة لدينا من الحديد الى اليورانيوم، وبواسطته تتشكل النجوم والكواكب ومنها كوكب الأرض. ويعتقد ايضا ان مايتبقى من السوبرنوفا يمكن ان يتجمع على شكل نجوم نيوترونية مضيئة ذات كثافة عالية، وكذلك تشكل ثقوب سوداء ذات قوة جذب عالية للحد الذي لايستطيع حتى الضوء الإفلات منها. لابد من الإشارة الى ان امكانية حدوث السوبرنوفا منخفضة حيث انه حدث ثلاث مرات فقط خلال الألف سنة الماضية.
وبعد، فلابد من الإشارة الى ان الدلائل تشير الى ان التمدد والتوسّع الكوني في حالة تسارع على عكس ما كان سائدا، وان هناك مادة غامضة تسمى الطاقة المظلمة تعمل على تسارع الكون الى مالانهاية. ولابد من القول ايضاً انه لايمكن للعقل البشري ان يدرك طبيعة الظروف السابقة للإنفجار الكوني الذي ادى الى نشوء الكون البدائي، والذي يعتقد انه قد حدث قبل حوالي 13.9 مليار سنه، لكنه يمكن القول ان عملية النشوء هي جزء من عمليات لانهائية، وان الكون الذي نعرفه حاليا ماهو الا جزء من عدد لانهائي من الأكوان والعوالم التي تتكون بشكل دائم ومستمر ولانستطيع ان ندركها. ويبقى ان مانراه او يمكن ان ندركه ماهوالا جزء من الكون بمفهومه الحالي والذي يستطيع الضوء الوصول اليه منذ حدوث الإنفجار.
هذا التصور عن بدايات الكون او الأكوان لايجيب على السؤال الأكثر اهمية: من اين أتى الكون وكيف حدث، حيث ان التمدد السابق للنشوء هو بذاته ماسح طامس لما حدث مسبقا مما يؤكد حقيقة ان المعرفة الإنسانية بحد ذاتها محدودة ولاتستطيع تصوّر ماوراء العلم، وما أُوتيتم من العلم إلّا قليلاً.
*الكاتب استاذ في الجامعة الأردنية