كنا جالسين نتاول طعام الغداء في المطعم، انا وفريق آثاري هولندي مكون من ١٢ شخصاً و "شخصة".
كان مدير البعثة قبلها بليلة قد سألني عن حقيقة أن الاردن من الدول الفقيرة مائياً، وقد أكدتُ له ذلك ( على اساس إننا اغنياء نفطياً يعني !) .
بعد أن أنتهينا من الغداء مباشرة، نقر مدير البعثة على حافة الصحن بالملعقة لجلب انتباه الفريق، وبالفعل كان الكل مصغين. قال بنبرة وديّة وحازمة: يجب أن تعلموا أن الاردن من الدول التي تعاني من نقص في المياه - والتفت الي بنظرة وكأنه يطلب التأكيد مني، وما خيبت ظنه، هززت برأسي للأعلى و للأسفل مرتين - ثم أضاف : يجب أن تستهلكوا اقل قدر ممكن من المياه، وأن تختصروا الوقت في الاستحمام، فأنتم لستم في هولندا.
وكان الجميع تقريبا ينظر الي نظرة المتفهم، وكأن قسمات وجوههم تقول ( هاظ وعد منا ابو شاهر انه ما يصير خاطرك الا طيب). و انا ابادلهم بنظرة تقول ( تا نشوف).
خرجنا من المطعم وركبنا في سيارتين متجهين إلى الفندق. وأثناء دخولنا في أحد الأحياء السكنية مررنا من أمام منزل كان صاحبه واقفاً على الرصيف ممسكاً ببربيش ماء كمن يقبض على عنق أفعى، كان يرش الماء على سور المنزل بلا هدف (بطيّر زهق)، ثم انتقل يسقي الرصيف، وبعدها صار يداعب بسيارته بال ( تي رش رش ). كنت بهذه الاثناء جالساً في الخلف، ثم "سحّلت " حالي خجلاً للاسفل حتى كدت أن انكمش تحت كرسي السائق، وأني اقول لحالي: ( الله لا يجبرك يالبعيد! ما عرفت ترش تالي نهار!! يم، ما عنّت عبالك الرشة غير هسع!) .
وشعرت بالاختناق وكأن صاحب البربيش يقبض على عنقي. ومن يومها واني بكره البرابيش .