ما وراء الكلمة في خطاب الملك الأممي
د. عديل الشرمان
25-09-2024 07:27 AM
الاتصال غير اللفظي ولغة الجسد أفصح وأعمق من لغة اللسان في التعبير عنها، وكلاهما يكمل الآخر، وما قد تخفيه المفردات والكلمات قد يكشفها الجسد بلغته في كثير من الأحيان، تلك اللغة التي يعبر عنها بحركات لا إرادية تخفي مدلولات ومعاني نفسية، وهي لغة الخطاب الإعلامي ذات الأثر الأكبر في النفس، وهي الأساس في تكوين الصورة الذهنية.
كعادته بخطى ثابته واثقة سار جلالته مرفوع الرأس منتصب القمة واعتلى جلالته منصة الخطاب للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والسبعين بمظهره اللائق وبلباسه الرسمي مما يدل على القوة والثقة بالنفس والاهتمام والجدية.
كان منتصب الهيئة دون انحناء إلى منصة الخطاب، وبشكل يعكس هيبة القيادة وفن الالقاء، والاعتداد والثقة بالنفس، كما كانت طريقة القاء الخطاب التي توحي بالارتجالية في الحديث إلى الحاضرين، وتوزيع النظرات بعدالة إلى اليمين واليسار والأمام دليلاً آخر على حنكته وحكمته وتمكنه من فن الإلقاء، وجذب انتباه الحاضرين.
أثناء القاء خطابه كانت حدة ونبرة الصوت وعلى غير عادته لا تسير على وتيرة واحدة، ارتفعت في أغلب الأحيان مصحوبة بنفس قوي في الحدة والمستوى عند الكثير من مقاطع الكلام للتأكيد على جوانب من الحديث، ولشد انتباه الحضور، وللدلالة على قوة الحجة ومرارة الحقيقة وما تخفيه الكلمات، كما أنها علامة من علامات قوة المواقف وعدالة القضايا التي يدافع عنها.
لم تكن حركات اليدين منضبطة كعادته في القاء الكلمات، ولم تكن منفلته لدرجة المبالغة، كانت اليد اليمنى الأكثر حركة ارتفاعا وانخفاضا يصاحبها استخدام الأصبع الشاهد السبابة أكثر من مرة، وهذا يؤكد قوة وصلابة الشخصية، كما أن ذلك يدل على التأكيد على المواقف، والتحذير من القادم، وحالة الضيق والمحنة التي يمر بها نتيجة الظروف من حوله.
كان جلالته يتنفس بعمق أحيانا أثناء الخطاب وتكرر ذلك أكثر من مرة مع زم الشفتين، وهذا يدل على عمق الكبت والضيق الذي يشعر به، وتعبيرا عن التوتر مما يجري وحجم القلق والألم الذي يعانيه، وعلى التفكير العميق بما يشغل البال، وحالة الخيبة والإحباط من استجابة الحاضرين والمجتمع الدولي لما يجري الحديث عنه.
لم تكن حالة الاعتداد والثقة بالنفس قادرة على إخفاء حالة اليأس والإحباط مما يجري في العالم والمنطقة على وجه الخصوص، ولم تكن تلك الحالة قادرة على إخفاء ما يشعر به من قلق وخوف من المستقبل الذي يلفه الظلام والغموض، وقد بدا ذلك واضحاً في الحاجبين العاقدين، وهما دليل الاستهجان والدهشة مما يجري، وحالة القلق والندم على فشل معظم الجهود التي بذلت في معالجة القضايا محور الخطاب أو الحديث.
كانت كلمته مقتضبة ناجحة في وصف المشهد وتشخيص الحالة، وكانت لغة الجسد فيها وأدوات الاتصال غير اللفظية مؤشرا على صعوبة المشهد وتعقيداته، وعلى حالة التشاؤم مما يمكن أن تؤول إليه الأحداث.