قراءة في خفايا صراع الكيان الإسرائيلي وأطراف المنطقة
محمود الدباس - ابو الليث
24-09-2024 01:57 PM
منذ السابع من أكتوبر.. أصبح المشهد الفلسطيني-الإسرائيلي أكثر تعقيداً وتشابكاً.. ليضع المنطقة أمام تساؤلات سياسية وعسكرية لا تخلو من الغموض.. ففي غزة.. يبدو الصراع قد انقسم إلى محورين في الرؤية..
الأول يرى أن المقاومة الفلسطينية في غزة.. قد حققت نجاحات ملموسة في صد هجمات الكيان الإسرائيلي.. بفضل التحصينات العسكرية.. التي أعدتها على مدى سنوات طويلة.. بالإضافة إلى العتاد الجيد.. الذي مكنها من الاستمرار والمناورة.. رغم الضغوط الهائلة.. وهذا الرأي يعزز فكرة أن الكيان الإسرائيلي يواجه صعوبة في حسم المعركة بسرعة.. وأن المقاومة باتت تفرض قواعد جديدة للعبة.. محدثة إحراجاً كبيراً للجيش الإسرائيلي.. الذي لم يستطع تحقيق نصر واضح رغم التفوق العسكري..
وفي المقابل.. يرى فريق آخر أن الكيان الإسرائيلي.. مازال يمسك بزمام الأمور في هذا الصراع.. إذ أن هدفه الرئيسي ليس الحسم السريع.. بل تدمير البنية التحتية للمقاومة تدريجياً.. واستنزافها عبر ضربات مستمرة ومدروسة.. تهدف إلى تصفية قادتها.. وشل قدرتها على الاستمرار لفترة طويلة.. ولعل أحد أبرز أهدافه.. هو الضغط الديمغرافي والتهجير البطيء لسكان غزة.. وذلك من خلال عمليات قتل يومية مدروسة.. لا تثير غضباً دولياً واسعاً.. حيث أصبح العالم معتاداً على أرقام القتلى المتزايدة بشكل بطيء.. مما يتيح للكيان الإسرائيلي.. تحقيق أهدافه دون التعرض لضغط دولي كبير..
وفي موازاة العمليات في غزة.. نلاحظ أن جيش الكيان الإسرائيلي.. لم يقتصر على هذه الجبهة.. بل استمر في إدارة الصراع في الضفة الغربية.. وفتح جبهة جديدة في الشمال مع حزب الله.. حيث نفذت قواته اغتيالات دقيقة لقيادات بارزة في الحزب.. وضربت مواقع حساسة في العمق اللبناني والسوري.. وهذا ما دفع بعض المراقبين إلى القول.. بأن الكيان الإسرائيلي يوسع جبهاته ليس بهدف فرض سيطرة مطلقة.. بل لتخفيف الضغط على جبهته الرئيسية في غزة.. أو كما يصفها البعض بأنها تحركات جيشٍ منهك.. يشبه ما تفعله الدجاجة المذبوحة التي تصارع الموت.. معتبرين أن الجيش الإسرائيلي في آخر أيامه.. ويعاني من تراجع استراتيجي كبير.. وبينما قد يرى البعض هذه التحركات كمؤشر على ضعف الجيش الإسرائيلي.. يظل احتمال أنه يمسك بخيوط اللعبة بأكثر من جبهة قائماً..
لكن العنصر الذي يثير الكثير من التساؤلات في هذه الأحداث هو موقف إيران.. الداعم المعلن للمقاومة في فلسطين.. وحزب الله في لبنان.. إيران لطالما ادعت دعمها لحلفائها في المنطقة.. واستثمرت في بناء قوتهم.. ولكن منذ بدء الصراع الحالي.. لا نجد دعماً عملياً واضحاً من طهران.. بل على العكس.. نجد أن إيران تلتزم الصمت إلى حد ما.. وأصبحت توجه رسائل تهدئة بدلاً من التهديد.. فهل هذه السياسة تعكس استراتيجية أعمق من مجرد التدخل المباشر.. أم أن إيران تفضل حالياً الحفاظ على مصالحها الخاصة ومشروعها النووي.. ولو على حساب حلفائها؟!..
قد يكون المشروع الفارسي القومي الذي تسعى إيران لتحقيقه.. جزءاً من الصورة الأوسع.. فإيران لا تكتفي بكونها داعماً عسكرياً للمقاومة.. بل تطمح إلى توسيع نفوذها الإقليمي.. لكن هذا النفوذ يحتاج إلى توازنات دقيقة مع الغرب.. فبينما يواصل الكيان الإسرائيلي ضرباته ضد حلفاء إيران في سوريا ولبنان.. لا نجد ردود فعل إيرانية تتناسب مع حجم تلك التحديات.. فهل تعمل إيران على صفقة سرية مع الغرب لحماية مشروعها النووي.. وهل يمكن أن تكون طهران مستعدة للتضحية بحلفائها تدريجياً لضمان بقائها كقوة إقليمية كبرى؟!.. هذه الأسئلة تفتح باب الشك حول مدى التزام إيران بمقاومتها المعلنة للمشروع الإسرائيلي.. وحول حجم التضحية التي هي مستعدة لتقديمها.. من أجل مصالحها القومية..
وفي خضم هذه التساؤلات.. يبقى المشهد مفتوحاً على احتمالين.. فهل المقاومة في غزة ومعها حلفاؤها.. قادرون على إحراج الكيان الإسرائيلي.. وإثبات أن لديهم القوة الكافية للاستمرار والصمود.. مما قد يجبر الكيان الإسرائيلي على إعادة حساباته؟!.. أم أن الكيان الإسرائيلي.. بقدراته الأمنية والعسكرية.. ما يزال يمسك بزمام الأمور.. وتوجيه الأحداث بما يخدم أهدافه الإستراتيجية؟!.. إن ما يحدث في المنطقة اليوم هو صراع بين قوتين.. كلٌ منهما تسعى لتحقيق أهدافها بطرق مختلفة.. لكن السؤال الأكبر يظل.. أي من هذين السيناريوهين هو الأقرب إلى الواقع؟!..
المعركة العسكرية والسياسية في المنطقة.. إذاً.. تتجاوز حدود الصواريخ والاغتيالات.. إنها معركة إرادات ورؤى استراتيجية.. بين قوى تريد البقاء وتوسيع نفوذها.. وأخرى تسعى لإضعافها أو ربما بيعها عند أول مفترق.. والأيام القادمة قد تكشف لنا عن مزيد من الأبعاد الخفية لهذا الصراع.. وعن حقيقة من يمسك بخيوط اللعبة في النهاية..