حكايتي مع الجامع الحسيني ..
مصطفى القرنة
24-09-2024 09:47 AM
في قلب قصبة عمان، يقف الجامع الحسيني شامخاً، شاهداً على تاريخ طويل وحكايات ماضية. أذكر أول لقاء لي معه في عيد الفطر، حين كنت في السادسة. كنت الطفل الذي يركض، تجذبني حكايات الأسواق وضجيج السيارات، ورائحة الكعك بالبيض التي كانت تعطر الأجواء. كانت سعادتي لا توصف، حيث الألوان والأصوات تنبض بالحياة في كل مكان. كنت أرى المصور الأرمني يطلب من أحدهم الجلوس أمامه، بينما يرتفع نداء بائع البسبوسة في الأفق.
توالت زياراتي للجامع بعد ذلك، فأصبح جزءاً لا يتجزأ من ذكرياتي. قرأت أنه شهد أحداثاً تاريخية عديدة، منها سقوط مئذنته في زلزال 1927. لقد عرف في السابق بالجامع العمري، تيمناً بعمر بن الخطاب، الذي ترك بصمته في قلوب الناس. الشعراء تغنوا بجماله، مما أضفى عليه طابعاً خاصاً في الذاكرة الجمعية. كثيرا ما كنت اسأل نفسي لماذا يذهب الناس هناك كلما ارادوا السفر فأدركت ذلك لاحقا وصرت كلما أردتُ السفر أبحث عن شماغ كهدية هناك. وإذا جعتُ، أزور المطعم القريب، أو إذا شعرت بالضجر، أتوجه إليه. ولا يمر أسبوع إلا وأوزره.
يمتاز الجامع بتصميمه المعماري الفريد، حيث تمتزج فيه التأثيرات الإسلامية التقليدية مع لمسات محلية تعكس هوية عمان الثقافية. كانت جدرانه شاهدة على صلوات وأدعية عُقدت فيه على مر السنين. بمجرد أن تطأ قدماك عتباته، تشعر بالسكينة والطمأنينة، فتجذب أجواءه الروحانية كل زائر.
تاريخ الجامع الحسيني هو جزء من تاريخ عمان، حيث تجمع حجارته بين الفرح والحزن. أصبح هذا الجامع مركزاً للحياة الاجتماعية والدينية، نقطة التقاء لأهل المدينة الذين يتبادلون الأحاديث والأخبار. لم أكن وحدي، بل جميع سكان عمان ينزلون إلى وسط المدينة، حيث الحياة تنبض في كل زاوية.
أروقة الجامع شهدت العديد من الأحداث، من المناسبات الدينية إلى الفعاليات الثقافية، مما جعل قصبات عمان حية بتفاصيلها، تحكي قصصاً تنتقل عبر الزمن. هو مكان يجمع بين الأصالة والتاريخ، ويعكس روح المجتمع العماني. لا زلت أشعر بتلك السعادة التي أحسست بها في طفولتي كلما زرت هذا المعلم، الذي يبقى دوماً رمزاً للروح العمانية.