تحديث .. إصلاح .. تصحيح القطاع العام
عصام قضماني
24-09-2024 12:48 AM
من دون الإصلاح الإداري ستبقى خطط التحديث الاقتصادي من دون روافع.
هذه النتيجة موجودة في أجندة الملك عبدالله الثاني الذي ضمنها كتاب التكليف السامي لهذه الحكومة وللحكومة التي سبقتها وربما على مدى اكثر من حكومة سبقت.
تبدو خطة الحكومة للإصلاح الإداري مقنعة في بعض جوانبها لكنها ستكون محاطة بعراقيل عدة أولها ثقافة ترسخت على مدى عقود هيمنت على ذهنية الموظف العام او بوصف أدق هناك ميوعة اصابت أداء القطاع العام في معظم مرافقه.
تستدعي هذه الميوعة بسط الانضباط وسلطة القانون؛ فالموظف العام ليس مصيباً دائماً حتى لو انه اختبأ خلف القوانين والانظمة والتعليمات وفي هذه الاخيرة مشكلة عميقة وقد اقرت لجنة كلفت بدراسة تستبق وضع خطة التحديث ان كثرة الانظمة والتعليمات وتشابكها وتناقضها في كثير من الاحيان فيها تقويض للقوانين نفسها.
هذا تحد يدركه رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان ولا شك انه اشار اليه بتركيز في الخلوة التي عقدها الوزراء والامناء العامون وهؤلاء يقع على كاهلهم مهمة تنفيذ خطة التحديث.
هناك ثقافة يجب أن تترسخ وهي أن إعادة توصيف مصطلح المسؤول، وهو الذي يخضع للمساءلة ويسأل وليس من بيده السلطة!
يجب أن نقر هنا بأن القطاع العام، اثبت قدرته على استيعاب محاولات إصلاحه فكان شرط الاحتفاظ بالموظفين كفيلاً بافشال كثير من البرامج.
اليوم نخوض برنامج اصلاح اداري جديد، يرتكز على تعميم الخدمات الالكترونية ودمج وإلغاء وزارات ولم يلتفت البرنامج الى تقاطع بين دور بعض الوزارات مع بعض الهيئات التي تتصدي لذات المهام.
من بين المحاولات كانت جذب مدراء ورجال أعمال ناجحين في القطاع الخاص إلى القطاع العام فكانت مثل قفزة في الهواء لأن المشكلة التي واجهها هؤلاء تمثلت في سرعة اتخاذ القرار المكبل بعشرات القوانين والانظمة المتناقضة فلم تنجح أفكار هؤلاء الانقلابية فما لبثوا أن تعايشوا مع الواقع واصبحوا جزءاً لا يتجزأ من المؤسسة، لا بل ان بعضهم اصبح يدافع عن عيوبها ويبررها.
اذا كان من بين اهداف الاصلاح محاربة الفساد والواسطة والمحسوبية فلدى القطاع العام آلية محددة لمحاربة الفساد، ولدى دوائر الحكومة أداة قوية لمراجعة النظام الإداري والمالي يقوم بها ديوان المحاسبة.
ما يمكن فعله هو تقليص حجم ودور القطاع العام لإيجاد قطاع خاص قوي وجاهز للحلول في محله.
ربما نحتاج إلى تعديل في بعض المصطلحات الفضفاضة مثل الإصلاح الإداري واستبداله بالتصحيح الإداري.
الإصلاح مفهوم شامل يعني أن ما يراد إصلاحه بلغ مستوى من الخراب لا يمكن معه الاستمرار، فهل ذلك ينطبق على الإدارة العامة بمعنى القطاع العام؟
خطط كثيرة وبرامج متعددة وضعت تحت عنوان الإصلاح الإداري على الأقل العشرات منها على مدى العقدين الماضيين، النتائج كانت مخيبة ليس لسوء الخطط والبرامج بل لأنها كانت فضفاضة بينما كان الأمر يحتاج إلى تصحيح لبعض الاخطاء الناجمة عن اختلالات وقصور في بعض القوانين، إضافة إلى تناقض بعضها فيما بينها وتناقض بعضها مع عشرات التعليمات والأنظمة وهو ما لم يخلق إرباكاً في صفوف الكوادر الإدارية فحسب، بل شكل ثغرات تسلل منها ما يسمى بالفساد الإداري.
تحمل لنا الأخبار بين فترة واخرى انباء عن كشف قضايا اختلاس أو تحايل أو استغلال وظيفي وغيرها من المسميات قام بها موظفون في غفلة من الرقابة وقدرة على التسلل بين الثغرات، وإلا ما معنى أن يختلس موظف ما مبلغ مليون دينار في مؤسسة حكومية صغيرة؟!.. تجدر الإشارة هنا إلى أن عملية الاختلاس امتدت لسنوات ما يكشف تخلف أدوات الرقابة أحياناً وقصور القوانين أحياناً اخرى، وليس عقلية الموظف الذي استغل قدراته في تنظيم هذه العملية الممتدة وتنفيذها دون أن يلاحظه أحد.
تزايد الفساد الإداري بأشكاله لا يعني بالضرورة أننا أمام قطاع عام يحتاج الى تفعيل ادوات الرقابة، وهناك أدوات رقابة ضعيفة تحتاج إلى تقويتها، وهناك متابعة تحتاج إلى تفعيل.
الوجود القوي للقطاع العام ما زال يسيطر على القرار الاقتصادي ما يعني أن القطاع العام لم يتخلَ عن سلطته.
أقول تصحيح الإدارة العامة وليس إصلاحها لسبب وجيه وهو أن التصدي لعملية إصلاح شاملة فيه مبالغة، وهي تعني ثورة إدارية وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل محددات كثيرة ومعقدة منها البطالة المرتفعة ومجموعة القوانين المتراكمة وحصة الإدارة العامة في الإدارة والإنفاق والقرار.
الاصلاح او التحديث او التصحيح الاداري تحد كبير وأولوية لأنه يشكل قاعدة لنجاح التحديث الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
الرأي