الغارات الاسرائيلية وخيار الغزو البري
العميد م. ممدوح سليمان العامري
23-09-2024 09:56 PM
تتكرر الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان بوتيرة متزايدة، ومع كل غارة، تزداد التساؤلات حول احتمالية تطور هذا التصعيد إلى غزو بري، يعيد للأذهان سيناريوهات اجتياحات سابقة مثل تلك التي حدثت منذ عام 1982.
من الناحية العسكرية، تعتمد إسرائيل بشكل كبير على الضربات الجوية المكثفة والتكنولوجيا الحديثة في تنفيذ عملياتها العسكرية ضد لبنان، متفادية قدر الإمكان الانخراط في حرب برية واسعة النطاق، ويُعزى هذا التوجه إلى عاملين أساسيين: الأول هو التفوق التكنولوجي والسيادة الجوية الأمر الذي يسمح لها بتحقيق أهدافها العسكرية دون الحاجة إلى نشر قوات على الأرض، مما يقلل من الخسائر البشرية المحتملة بين جنودها. والثاني هو الذاكرة المريرة للحرب البرية في لبنان، حيث عانت إسرائيل من خسائر فادحة، ولا سيما خلال حرب تموز 2006، التي كشفت عن جاهزية حزب الله وتكتيكاته الدفاعية في الأرض اللبنانية وتضاريسها الصعبة.
ومع ذلك، يبرز سؤال محوري يتعلق بالظروف الجيوسياسية التي قد تدفع إسرائيل إلى خيار الغزو البري للأراضي اللبنانية إذا شعرت تل أبيب بأن الغارات الجوية وحدها لم تعد كافية لتحقيق أهدافها المنشودة، خاصة في ظل استمرار الحزب اطلاق الصواريخ والمسيرات على أهداف في الشمال (الاسرائيلي)، فقد تجد نفسها مضطرة لبحث خيارات أكثر تطرفًا، مثل التدخل البري، وهنا، يجب أخذ موقف الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بعين الاعتبار، فأي عملية برية واسعة قد تثير ردود فعل دولية قوية، خاصة في ظل التوترات الإقليمية المستمرة.
لا يمكن إغفال الدور الذي يلعبه حزب الله في هذه المعادلة، فمنذ تأسيسه، أثبت قدرته على الصمود أمام الهجمات العسكرية الإسرائيلية بفضل اعتماده على تكتيكات حرب العصابات واستغلال التضاريس الجبلية الوعرة التي تمنحه ميزة دفاعية قوية، هذه العوامل تجعل أي عملية برية ضد الحزب معقدة للغاية ومكلفة بالنسبة لإسرائيل، مما يزيد من تعقيد حساباتها العسكرية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك العامل الداخلي في لبنان، فالغزو بري قد يشعل الداخل اللبناني ويؤدي إلى تصعيد واسع يتخطى حدود المواجهة بين إسرائيل وحزب الله، ليتحول إلى حرب شاملة تشمل فصائل لبنانية أخرى، وقد يؤدي إلى زعزعة استقرار الدولة اللبنانية الهش أصلاً.
لما سبق، يمكن القول إن الغارات الجوية الإسرائيلية على جنوب لبنان، رغم أنها قد تبدو مقدمة لتحركات عسكرية أوسع، تبقى إلى الآن في إطار محاولات إسرائيل تحقيق أهدافها المزعومة دون الانزلاق إلى مغامرة برية. لكن الظروف المتغيرة، سواء كانت ميدانية أو سياسية، قد تدفع الأمور في اتجاه آخر غير محسوب النتائج.