المناهج بين التطوير والاخلاق
د. محمد العايدي
23-09-2024 05:33 PM
المنهج هو المحتوى الذي يوضع من اجل تحقيق البناء والتطوير بشقيه المدني والأخلاقي بما يتناسب مع المكون المجتمعي لدولة من الدول.
ومن هنا فان يجب ان تراعي المناهج الحديثة هذا المعيار في اختيار المحتوى وهو ان يكون المحتوى يحقق البناء المعرفي بما يسهم في بناء الدولة وتطورها من الناحيتين التطور المدني والأخلاقي وبما يناسب مع قيم وعادات وتقاليد المجتمع.
والمقصود من المعرفة ليس التلقينية وانما المعرفة المنتجة ومن هنا لابد من التحول من مفهوم المعرفة التلقينية إلى المعرفة المنتجة بحيث أن الطالب يهيئ بعد فترة من مراحل الدراسة إلى الانتاج والإبداع وهذا النوع من المعارف هو الذي يجب التركيز عليه في عملية التطوير والبناء .
واما الشق الثاني من البناء فهو أن يرافق هذا النوع من المعارف غرس القيم والمبادئ والاخلاق الانسانية لانها السياج الذي يحمي المعرفة والا تحولت المعارف إلى اداة قد تستعمل لتدمير المجتمع.
فالطالب الذي يتعلم مثلا الامن السيبراني ممكن ان يستخدمه في التلصص على خصوصيات الناس وابتزازهم والإساءة اليهم لانها بلا بناء اخلاقي وكذا الطبيب الذي يعالج المرضى قد يتحول إلى لص يسرق اموال الناس عن طريق إيهام المريض باجراءات طبيه غير ضرورية او وهمية بل نفس المعلم الذي يعطي المعرفة للطلاب قد يضيع وقت الحصة المدرسية وهو مشغول بهاتفه داخل العمل وهكذا عليك أن تقيس الابعاد الخطيرة عند التجرد من الاخلاق والاعتماد على الجانب المعرفي فقط.
وما اثير مؤخرا حول ادراج مادة الموسيقى للطلاب في المناهج المدرسية يأخذ عدة ابعاد :
اولا: البعد المعرفي حيث ان الموسيقى هي لون من الوان المعرفة الجمالية وليست غريبة عن الناس ولا تصادم العادات والتقاليد في المجتمع ولا حتى الدين لان هناك من الفقهاء من اجاز هذا النوع من المعارف ومن لا يقبل الخلاف في هذا النوع المعرفي عليه ان يحترم الاراء الاخرى.
ثانيا: بعد التطوير والبناء فهل الموسيقى تساهم وتساعد في هذا النوع من التطوير للفرد والمجتمع ؟ قد يتبادر إلى الذهن اننا نقصد بالموسيقى هي تلك المرتبطة في اذهان البعض بالغناء الهابط واللاأخلاقي وليس هذا المراد قطعا من الموسيقى المرادة ادراجها في المناهج المدرسية بل يجب أن يضاف إلى هذه المادة التي تدرس للطلاب أن هذا النوع من الموسيقى الهابطة مع انه ليس هو المراد للطالب أن يتعلمه بل يجب التحذير من هذا النوع على اساس انه لا يصلح هذا النوع ان يكون منهجا معرفيا حياتيا يساهم في البناء والتطوير بل قد يعود بالسلب على الفرد والمجتمع لانها عادة ما تقترن ببيئة بعيدة كل البعد عن عاداتنا وتقاليدنا وديننا ولا تصلح ان تاخذ شكلا منهجيا لان هذا السلوك اللأخلاقي في استعمال الموسيقى ليس منهجا أصلا بل هي تصرفات فردية لا مسؤولة توضع في اطار اللامنهجية فكيف يمكن ان تكون منهجا للطلاب.
وعليه فلا بد من باب التاكيد والتنبيه للطلاب بان يوضع فصل كامل في مادة الموسيقى ان هذا النوع من السلوك في استخدام الموسيقى اللامنهجية واللاأخلاقية مذموم ولا يجوز الانجرار اليه بل المقصود من الموسيقى ذلك الفن الراقي الذي يؤسس لنوع من المعارف البشرية التي تزيد الحالة المجتمعية جمالا فهو لون من الوان الجمال المعرفي التي تزين حياة الناس بما يحقق لهم الراحة والسعادة.
فنحن مع ادراج مادة الموسيقى في المناهج مع الفصل بين هذين النوعين من الموسيقى.
وكما اننا نطالب واضعي المناهج ان تضاف مادة إلى المناهج هي اولى من هذه المادة مع اننا لا نقلل من أهميتها وهي (مادة الاخلاق) التي صار العالم المتقدم يدرجها في مناهجهم كمتطلب للصفوف الاولى وتكون مستقاه من ثوابتنا الدينية كما قال جلالة الملك عند حديثه عن الدولة المدنية انها مؤطرة دائما بالثوابت الدينية لانه كما قلنا بان عدم التركيز على الاخلاق بشكل كبير وموسع في تدريسها للطلاب وتوجيههم نحوها يجرد المجتمع إلى الجريمة والسلوكات المدمرة له فالمعرفة لوحدها لا تكفي بلا اخلاق قد يقول البعض بان بعض معاني الاخلاق موجودة خلال المواد الاخرى نقول : نعم ولكن هذا لا يكفى ان تكون مترامية هنا وهنا في مناهجنا بل لا بد من تدريسها بمادة مستقلة وبشكل بنائي ممنهج ويكون لها جانب تطبيقي عند الطلبة بحيث تخصص لهم حصص من خلال هذه المادة لتطبيقها وانا اعتقد ان تدريس مادة الاخلاق في المدارس لا تقل اهمية عن تدريس الرياضيات والفيزياء والكيمياء واللغة الانجليزية لانها هي التي تحمي المجتمع من الانفلات والجريمة وتساهم بشكل مباشر وفعال في حفظ الامن والسلم المجتمعي .