قوة الإخوان المسلمين تكمن في ضعف الآخرين
د.علي النحلة الحياصات
23-09-2024 01:04 PM
منذ تأسيسها في عام 1945، كانت حركة الإخوان المسلمين جزءًا أساسيًا واصيلا في السياسة الأردنية، وخلال النصف الثاني من القرن العشرين، كانت منافسًا قويًا للتيارات اليسارية والقومية في الأردن، مستندةً في ذلك على دعم اجتماعي واسع ودعم من عمق الدولة الأردنية.
بناءً على ذلك، استطاعت حركة الإخوان المسلمين أن تحصد 22 مقعدًا نيابيًا من أصل 80 في انتخابات عام 1989 بنسبة وصلت إلى 28%، وعلى 17 مقعدًا نيابيًا في انتخابات عام 1993 بنسبة وصلت إلى 21%. بعد ذلك، بالطبع، حدث الطلاق الرسمي بين حركة الإخوان المسلمين وعمق الدولة الأردنية على إثر توقيع (معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية) في عام 1994، مما أدى إلى انحسارها على مستوى المجالس النيابية، بل وغيابها بالكامل عن بعض المجالس، مستخدمةً سلاح مقاطعة الانتخابات النيابية، كما حدث في انتخابات عام 1997.
بعد غياب كامل أو حضور ضعيف في المجالس النيابية المتعاقبة منذ عام 1997 ولغاية الانتخابات الأخيرة في عام 2024، استطاعت الحركة أن تحصد في آخر انتخابات 31 مقعدًا من أصل 138 بنسبة وصلت الى حوالي 23% . إلا أن هذه النتيجة لا تعبر في الواقع عن مدى قوة الإخوان المسلمين على الساحة السياسية الأردنية بقدر ما تعبر عن ضعف وتفكك الأحزاب السياسية الأخرى، وخصوصًا اليسارية والقومية منها.
القوائم الحزبية الوسطية (أو يمين الوسط أو اليمين المحافظ) التي حصلت جميعها على 24 مقعدًا نيابيًا (بما فيها الكوتات) من أصل 41 مقعدًا على القوائم العامة، اعتمدت بشكل أساسي على قوة حضور مرشحيها العشائري الشخصي وعلى البذخ الشديد والمبالغة في الإسراف على حملاتهم الإعلامية والدعائية، لكنها لم تستطع أن تجتذب جمهورًا اعتمادًا على قوة الفكر لديها ووضوح رؤيتها. لذا كانت نتيجة الانتخابات تعبر عن خلل واضح في توجهات المجتمع الأردني السياسية والفكرية.
إذا كانت الدولة الأردنية العميقة جادة في تحديث منظومة الإصلاح السياسي، فعليها البدء من اليوم بالتفكير في آليات جديدة من أجل تحريك وتحفيز المشاركة الفاعلة والحقيقية في انخراط القوى الحية والشباب والمرأة وكافة شرائح المجتمع في عملية الإصلاح السياسي.
أحد هذه الآليات، على سبيل المثال لا الحصر، هو التوقف عن العمل بمبدأ (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام). وهذا يشمل التوقف التام عن دعم عناوين ومسميات تم تجريبها في مرحلة ما قبل الإصلاح السياسي، والآن يتم إعادة تدويرها على شكل قيادات إصلاحية حزبية، مما سبب إحباطًا شديدًا لدى فئات كثيرة في المجتمع الأردني.
الطبيعة لا تقبل الفراغ، وطالما استمر هذا الفراغ في الساحة السياسية، فإنه سيفتح المجال أمام الأطراف الأكثر تنظيمًا وتماسكًا لملئه، مما قد يؤدي إلى مشهد سياسي غير متوازن وديمقراطية مشوهة لا تعكس تطلعات المجتمع الأردني بشكل حقيقي.
إذا أرادت الدولة الأردنية تحقيق إصلاح سياسي حقيقي، فإن عليها أن تركز على تمكين قوى المجتمع المختلفة من الانخراط الفاعل في الحياة السياسية، بدءًا من دعم الأحزاب القائمة على برامج وأفكار واضحة، وتقديم الفرص للشباب والمرأة وغيرهم من الفئات المهمشة، لضمان مستقبل سياسي أكثر توازنًا وتمثيلًا.
بهذا النهج، يمكن بناء منظومة سياسية تعكس التنوع الحقيقي للمجتمع الأردني وتحقق الإصلاح المنشود الذي يلبي تطلعات جميع شرائح المجتمع، ويضمن مشاركة حقيقية وفاعلة في صنع القرار.