تصنيف جامعة ستانفورد .. هل يعكس حقًا جودة البحث؟
أ.د تركي الفواز
23-09-2024 09:20 AM
تُعتبر تصنيفات الجامعات والباحثين من الأدوات المهمة في تقييم جودة البحث الأكاديمي وتأثير العلماء، أحد التصنيفات التي اكتسبت شهرة واسعة هو تصنيف جامعة ستانفورد لأفضل 2% من العلماء في العالم، الذي يعتمد على معايير كمية مثل عدد الاقتباسات ومؤشر H-index. ورغم شهرته، إلا أنه يواجه انتقادات عديدة تتعلق بعدالته ودقته في تقييم العلماء، أحد أبرز العيوب في هذا التصنيف هو اعتماده الكبير على عدد الاقتباسات كمعيار أساسي لتقييم تأثير العلماء، بينما تعكس الاقتباسات في كثير من الأحيان أهمية البحث العلمي، إلا أنها ليست دائمًا مؤشرًا دقيقًا على الجودة، فبعض الأبحاث قد تحظى باقتباسات كثيرة بسبب كونها مثيرة للجدل أو تحظى بشعبية، وليس بسبب تأثيرها الأكاديمي الحقيقي، علاوة على ذلك تختلف معدلات الاقتباس بين التخصصات العلمية؛ حيث يحصل الباحثون في مجالات مثل الطب والعلوم الطبيعية غالبًا على اقتباسات أكثر من نظرائهم في العلوم الإنسانية أو الاجتماعية، مما يؤدي إلى تفاوت غير عادل في التقييم، فالتخصصات التطبيقية والتجريبية، مثل الفيزياء أو الطب، تعتمد بشكل كبير على التعاون بين الباحثين، مما ينتج كمًا هائلًا من الأبحاث، ويزيد من فرص حصول العلماء في هذه المجالات على عدد أكبر من الاقتباسات.
في المقابل، قد لا تحظى إسهامات العلماء في مجالات مثل الأدب أو الفلسفة بالقدر ذاته من الاهتمام، رغم أهميتها الكبيرة، كما أن التركيز على المعايير الكمية يتجاهل الأبعاد النوعية التي تعكس تأثير البحث في الواقع ،تستند تصنيفات جامعة ستانفورد إلى قاعدة بيانات Scopus، وهي واحدة من أكبر قواعد البيانات للأبحاث الأكاديمية، ورغم شمولية هذه القاعدة، إلا أنها لا تغطي جميع المجالات بنفس العمق، مما يعني أن بعض الأبحاث المهمة قد لا تكون مشمولة، مما يُضعف من شمولية التصنيف وعدالته، بالإضافة إلى ذلك فإن التركيز على عدد الأبحاث المنشورة والاقتباسات قد يشجع بعض الباحثين على زيادة الإنتاج البحثي على حساب الجودة، مما يساهم في تراجع الجودة البحثية، كما تهيمن اللغة الإنجليزية على البحث الأكاديمي، ويعتمد التصنيف بشكل كبير على الأبحاث المنشورة بهذه اللغة، مما يؤدي إلى تهميش العلماء الذين ينشرون بلغات أخرى، رغم أن هذه الأبحاث قد تكون ذات أهمية في مجتمعاتهم، فإن التحيز اللغوي يقلل من التنوع العلمي العالمي.
لقد انخدعت العديد من الجامعات العربية بهذا التصنيف، حيث يؤكد مختصون من جامعات مرموقة مثل هارفارد وأكسفورد أن هذا التقييم لا يُعتد به، وأنه مجرد دراسة بحثية، ومع ذلك تستمر وسائل الإعلام العربية في نشر أخبار حول دخول الباحثين في هذا التصنيف، مما يبرز الحاجة لزيادة الوعي حول موثوقية هذه المعايير، ففي الأوساط الأكاديمية الغربية، تُعتبر الأبحاث ذات الجودة والابتكار أكثر أهمية من مجرد عدد الاقتباسات، يجب التعامل مع هذه التصنيفات بحذر وعدم الاعتماد عليها كمقياس وحيد للتميّز الأكاديمي، وتعزيز المعايير الشاملة التي تعكس الإسهامات الحقيقية للباحثين.
وفي ختام المقال، تكشف تصنيفات الجامعات والباحثين عن أهمية كبيرة في تقييم جودة البحث الأكاديمي، ولكن هل تكفي المعايير الكمية مثل عدد الاقتباسات؟ ينبغي أن نكون واعين للمسؤوليات المرتبطة بهذه التصنيفات، ونعمل سويًا على تطوير معايير شاملة تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد النوعية والتخصصات المتنوعة، لذا دعونا نعزز ثقافة الجودة والابتكار، ونتأكد أن إسهامات العلماء لا يمكن اختزالها في أرقام فحسب، بل هي رحلة نحو بناء بيئة أكاديمية أكثر عدالة وتنوعًا، يتضح لنا أن تصنيف جامعة ستانفورد لأفضل 2% من العلماء في العالم يلعب دورًا مهمًا في تقييم جودة البحث الأكاديمي، لكنه لا يمكن أن يُعتمد عليه كمؤشر وحيد للتفوق العلمي.