التحديّات الثلاث للحكومة الجديدة
أكرم الزعبي
23-09-2024 12:51 AM
لم يعد خافيًا على أحدٍ أنّ الإدارة الناجحة تحتاج إلى مديرٍ قائد، قادرٍ على التعامل مع المتغيرات بمرونة وسرعة، ولديه إمكانية اتخاذ القرارات وتنفيذها فورًا، والحكومات ليست بمنأىً عن ذلك رغم شمولية عملها، وتواجه كل إدارة تحديّاتٍ كثيرة، منها ما هو ظاهر معلوم للعموم، ومنها ما لا يعرفه إلا صانعو القرار في الدوائر الضيّقة المغلقة.
اليوم، تواجه الحكومة الجديدة تحديّات كثيرة على الصعيد الإقليمي الملتهب وما يرافق ذلك من ضغوطٍ شعبية تزيد من مسؤوليتها، إضافةً إلى المتغيرات السياسية العالمية التي تلقي بظلال تبعاتها على الجميع، لكنّ أبرز التحديات الداخلية للحكومة الجديدة تتمحور في ثلاث تحدّياتٍ رئيسة، كلّ واحد منها يستدعي رؤيةً شمولية، وإحاطةً بأدقّ التفاصيل، وإدارة حكيمةً واعية، وهو ما ستثبته أو تنفيه الأيام القادمة، دون إغفال حالة الإحباط الشعبي المتواصل من الحكومات المتعاقبة، وهو أيضًا ما واجهته الحكومة الجديدة بعد تشكيلها، في ظل ترقّبٍ شعبيٍ كان يأمل بتغيراتٍ كبيرة، وأسماء مختلفة، مشتبكةً مع طبيعة كل وزارة، قريبةً من نبض الناس ووجدانهم، وقادرةً على إقناعهم بالقدرة على التغيير وإحداث الفارق.
التحدّي الأول الذي يواجه الحكومة هو ترجمة كتاب التكليف الملكي السامي إلى واقع يلمسه المواطن، ذلك أنّ كتاب التكليف جاء بتفاصيل كثيرة شمل معظم مؤسسات الدولة، وبيّن المطلوب منها في المرحلة القادمة، وحيث أنّ كتاب التكليف يتواءم مع المتطلبات الشعبية وآمال الطبقات الوسطى والكادحة، فإنّ ذلك يفرض على الحكومة الجديدة تحديًا أكبر مع بداية انطلاق منظومة التحديث من الورق إلى الواقع.
التحدّي الثاني هو البرلمان الجديد، فعلى الرغم من أنّ التوقعات تشير إلى حصول الحكومة الجديدة على ثقةٍ مريحة، إلّا أنّ هذه الثقة ستظل تحت المجهر يوميًا لجهة الأداء الرقابي المتوقع من المجلس الجديد، فالأحزاب الناشئة وإن كان بعضها قريبًا من الحكومة، إلّا أنّ إثبات وجودها شعبيًا سيظلّ ماثلًا أمام أعينها، وستحاول لاحقًا أن تقترب من القواعد الشعبية أكثر من اقترابها من الحكومة، إنضاجًا للحالة الحزبية البرلمانية، وتمهيدًا لانتخابات الدورات اللاحقة، وبناءً لقواعد وحواضن شعبية يحتاجها كل حزب، كي تكون قادرةً على التنافس مع الكتلة الصلبة لحزب جبهة العمل الإسلامي، وهو ما سيفرض – نظريًا- على هذه الأحزاب أداءً رقابيًا أكثر جرأةً وشجاعة، كي تحظى هذه الأحزاب في الدورة القادمة للانتخابات بمساحةً أوسع في التمثيل البرلماني.
التحدي الثالث الذي يواجه الحكومة هو التحدّي الداخلي – الداخلي، ضمن إطار الحكومة نفسها، فإعادة تعيين الكثير من وزراء الحكومة السابقة في ذات وزاراتهم وإعادة تدوير بعض الوزراء من الحكومات السابقة، لم يكن مريحًا شعبيًا، باعتبار أنّ الصورة النمطية لتعيين الوزراء ما زالت كما كانت، أمّا الوزراء الجدد في الحكومة فقد انقسموا إلى قسمين، قسمٌ جاء في مكانه الصحيح بما يتوافق مع خبراته وكفاءاته ما يؤشر إلى توقّع نجاحهم في وزاراتهم والملفات الموكولة إليهم، وقسمٌ على النقيض، وهو ما قد يشي بأنّ الحكومة ربما تكون على موعدٍ قريب لإجراء تعديلٍ وزاري يضع في الحسبان تكليف كل وزيرٍ بالحقيبة التي يدرك ويُلمُّ بمفردات ملفاتها، ولديه القدرة على حل تعقيدات هذه الملفات، والتعاطي الحقيقي الذكّي مع الميدان، وفهم شخوصه ومتغيراته، وبما يحقق الغاية من التفاصيل الواردة في كتاب التكليف الملكي.
حالة الإدراك الشعبي التي رافقت نتائج الانتخابات النيابية، وارتفاع سقف الآمال الشعبية بناءً عليها، وتفاصيل كتاب التكليف الملكي، ستلقي بظلالها على النوّاب، الذين سيلقون بكامل حمولاتهم أمام الحكومة الجديدة، التي عليها أن تتعامل مع التحديات الثلاث بما يُشعر الجميع -ولو بالحدّ الأدنى- أنّ عجلة التغيير بدأت بالتحرك بعد أن ظلّت سنواتٍ طويلة تراوح مكانها.