لا ديمقراطية سياسية دون ديمقراطية اقتصادية.
د. محمد حيدر محيلان
22-09-2024 07:54 PM
إنّ هم جلالة الملك عبدالله الثاني والمخلصون من ابناء الاردن ان يصل الاردن لمستوى عال من الديمقراطية السياسية والتمثيل الديمقراطي والحكومات الحزبية المطلقة، ولذلك نجد كثير من النخب السياسية ومنظمات المجتمع المدني تسعى لانجاح هذه الفكرة التي زاد الحماس لها مع المئوية الثانية للدولة الاردنية، فتحمس الكثيرون لتأسيس احزاب سياسية وتجاوزت الثلاثين ،وتم الحشد من قبل الحكومة والمجتمع الحزبي للتسويق للعمل الحزبي والسياسي وجذب الشباب والنساء للانتساب للاحزاب وممارسة العمل السياسي، من خلال الاحزاب، للوصول للديمقراطية السياسية، ولكن ضمن الواقع الحالي الذي يعيشه الاردنيون من الفقر والبطالة والمديونية المتضخمة تصاعدياً، يتطلع الاكثرية لحكومات توجد حلول اقتصادية واجتماعية على المدى القصير او البعيد، وان كنا نأمل في كل وزارة وحكومة تأتي أن تساهم في الحل الاقتصادي ، ويجري الحال على حكومة الدكتور جعفر حسان التي اجترت للاسف من اعضاء الحكومة السابقة اكثر من نصفها، فبدت كأنها تعديل وزاري شمل رئيس الحكومة السابقة، ومع ذلك نأمل ان تأتي حكومة حسان بجديد من الحلول الاقتصادية، فترفع النمو الاقتصادي وتقلل نسب المديونية بشكل ملحوظ وتخلق فرص عمل اقتصادية وإجتماعية للوطن بعامة وللشباب المعطل بخاصة وإلا فهي كسابقاتها من بعض الحكومات التي مرت على الاردن فزادت الطين بلة.
ان النظام السياسي أو الاقتصادي الذي يفتقر إلى الفرص الاقتصادية أو الاجتماعية، يؤدي إلى فقدان الشعور بالتمكين السياسي من قبل الافراد، وإذا لم يكن هناك عمل أو فرص اقتصادية تتيح للناس المشاركة بفعالية في المجتمع، فإن ذلك ينعكس على العملية الديمقراطية والسياسية في البلاد ، ويمكن أن يقوض العملية الديمقراطية عينها.
فالديمقراطية تعتمد على المشاركة النشطة للمواطنين، سواء من خلال التصويت أو المشاركة في الحياة العامة ، وإذا كان المواطنون يعانون من الفقر أو البطالة، فقد يشعرون بأن صوتهم الانتخابي ليس له تأثير حقيقي، لأن مشاكلهم الأساسية لا يتم معالجتها أو أنها تتجاوز حدود السياسات الانتخابية. وهذا النوع من التفكير قد يشير إلى أن الديمقراطية الحقيقية تتطلب نظامًا اقتصاديًا عادلًا يضمن للجميع الفرص التي تمكنهم من ممارسة حقوقهم السياسية بشكل فعال.
انا لا أعمل تعني أنا لا أجد طعام وشراب،وغير متزن نفسيا ولا فكرياً، وتعني انا لا أنتخب ، ولا يعنيني العمل الحزبي وبالتالي لا انتظر ديموقراطية ، واعتبر كل ذلك ترف ، او رقص على جراحي والعرس عند جيراننا.
إن الديمقراطية التي لا تفتح المجال لمناقشة العلاقة بين الاقتصاد والمشاركة السياسية، وتجد الحلول للظروف الاقتصادية الصعبة ، لا افكر فيها كفرد اعاني من الفقر والجوع ولا تعنيني. ولذلك كان الاقبال على صناديق الاقتراع.
في الانتخابات الاخيرة منخفض، مع إن الذين صوتوا من الشباب او انضموا لحزب سياسي كانو يطمعون ويأملون بالحصول على وظيفة تسد رمق جوعهم وتستر فتق حاجتهم، وتعينهم على المضي في طريق العيش الكريم السوي ، فلا يشدهم غاوي ولا يسحبهم جانح الى سلوك وطريق الكسب غير المشروع. فعندما لا يكون هناك عمل أو فرص اقتصادية متاحة للمواطنين، فإنهم قد يشعرون بأن الانتخابات لا تعنيهم ، وان مشاركتهم في الانتخابات لا يؤدي إلى تحسين وضعهم الاقتصادي ولا الاجتماعي، مما يقلل من حماسهم أو قدرتهم على المشاركة الفعالة في النظام الديمقراطي.
يُفترض أن المواطنين في الأنظمة الديمقراطية يتمتعون بحقوق سياسية متساوية، لكن إذا كان ابن فلان يجد منصب مرموق وابن علان لا يجد عمل ولا وظيفة عادية ، والناس جُلهم يفتقرون إلى فرص العمل ويعيشون في فقر، فقد يرون أن الحكومة أو النخب السياسية بعيدة عنهم وعن حل مشاكلهم. في هذه الحالة، يشعرون بأن أصواتهم الانتخابية لا تحدث فرقًا حقيقيًا، مما يؤدي إلى تراجع المشاركة السياسية والمكوث في البيوت. ومع استمرار تلك الحالة، تتضاءل ثقتهم في الحكومة و الديمقراطية برمتها، حيث يرون أن الحكومات، بغض النظر عن انتماءاتها، لا تقدم حلولًا لمشكلاتهم الاقتصادية والإجتماعية، وبالتالي هي غريبة عنهم. ان الديمقراطية الحقة تقوم على مبدأ المساواة، حيث يفترض أن لكل مواطن صوتًا متساويًا في التأثير على القرارات السياسية، لكن عندما تتسع فجوة اللامساواة الاقتصادية، تصبح هذه المساواة السياسية نظرية أكثر من كونها عملية، فالفقراء والعاطلون عن العمل قد لا يكون لديهم الوقت او الاستعداد النفسي أو الموارد للمشاركة السياسية بفعالية، في حين أن اصحاب النفوذ الاقتصادي والملايين يمكنهم التأثير بشكل أكبر من خلال تمويل الحملات الانتخابية الكبيرة ، أو التحكم في وسائل الإعلام والدعاية ، والتأثير على الناخبين المعدمين اقتصادياً ، وهذا فعلا ما حصل في الانتخابات الاخيرة وفاز اصحاب الملايين .
وعليه فأن الفئات الأقل دخلاً تشارك بشكل أقل في الانتخابات ، وقد تشعر أن النظام الديمقراطي لا يمثل مصالحهم. وان البطالة والفقر قد يؤديان إلى اضطرابات اجتماعية وعدم استقرار سياسي، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تآكل الديمقراطية أو حتى انهيارها. وعندما يشعر المواطنون بأن الحكومات لا تقدم لهم شيئًا في مقابل الأزمات الاقتصادية، قد يبدأون في البحث عن حلول بديلة للخروج من عنق الزجاجة بطرق غير سوية .
أن خلق ديمقراطية اقتصادية (توفير فرص عمل عادلة، توزيع متساوٍ للثروات، وتنمية اقتصادية مستديمة) بوجهة نظري هي شرط أساسي لتحقيق ديمقراطية سياسية حقيقية. فإذا كان المواطنون يملكون الأمن الاقتصادي ولديهم فرص حقيقية لتحقيق تطلعاتهم، فإنهم سيكونون أكثر قدرة وحماسًا للمشاركة في الحياة السياسية والديمقراطية والانتساب للاحزاب، مما يعزز العملية الديمقراطية. وخير مثال على ذلك الدول الاسكندنافية مثل السويد والنرويج، حيث هناك مستويات عالية من المساواة الاقتصادية ونظام رفاه اجتماعي متكامل، تُظهر معدلات مشاركة انتخابية مرتفعة واستقرارًا ديمقراطيًا قويًا ، حيث ان المواطنين هناك يشعرون بأن الحكومة تعمل من أجلهم لأن النظام الاقتصادي يعزز من المساواة والعدالة.
ان التمكين الاقتصادي من خلال توفير العمل والفرص الاقتصادية للمواطنين ، والقطاع الخاص والصناعي، هي من أساسيات تمكين المواطنين سياسيًا. وإذا غابت هذه الفرص، فإن الديمقراطية تفقد الكثير من معناها، لأن المواطن العادي لن يشعر بأن صوته الانتخابي قادر على إحداث تغيير في حياته الاجتماعية والمعيشية. بالتالي، لا يمكن تحقيق ديمقراطية سياسية فعّالة دون توفير أسس ديمقراطية اقتصادية. فهل تلتفت حكومة الدكتور حسان للديمقراطية الاقتصادية وتعمل لانجاحها من خلال برامج واهداف تحقق ذلك وتأتي بجديد يميزها عن سابقاتها!؟