زرت مُتحف اللوفر في أبو ظبي مرتين ، كان عنوان الزيارة الاولى " الفضول" ، عند البوابة التي نبدأ منها الرحلة إلى داخل المتحف ، كانت تماثيل غريبة الشكل غير مألوفة تنتصب كمن يقول للزوّار "أهلا و سهلا" ...
تماثيل "عين غزال" ، ما هذه التماثيل؟ لم أكن ضليعا بها ، لكنّي انجذبت لها ، فموقعها مميز و يزيد الفضول أكثر، لمن هذه الهياكل البشرية؟ لمن هذه التوائم الملتصقة ، لمن هذه العيون الواسعة يا ترى؟ اقتربت أكثر و تفاجأت أكثر و أكثر...
"تمثال ضخم ذو رأسين ، الاردن ، عين غزال حوالي ٦٥٠٠ سنة قبل الميلاد " كانت هذه البطاقة التعريفية للتماثيل، وقفت عدة دقائق اتأمل ، كيف للتوّ فقط أتعرّف عليها! كيف نحَت و شكّل بشر قبل حوالي ٩٠٠٠ هذه التماثيل !
ابتسمت ...نعم هذه أرضنا ، أرض التاريخ و الحضارات..كيف لا ندرسها و نحفظها عن ظهر قلب؟ يا لجهلي لو سألني أحدهم ما هذه التماثيل و أنا كالابله لا أعلم ما هي و من أي هي!
أتت الزيارة الثانية و كان الفضول قد أُستبدل بالاشتياق ، الاشتياق للتركيز في التماثيل أكثر ، للتمعّن بتفاصيلها ، قد يكون الانتماء قد غلب شعوري، فالمتحف الرائع التي اقامته الامارات ببراعة، يعج بالقطع الاثرية و النادرة ، لكنّ تماثيل عين غزال هي الاقرب لي ، هي من وطني ، من الأردن.
اليوم يخرج بعض الجهلة ، عاشقي ضجيج السيوف لا رهبة الذهول و الابداع ، لينعتوا هذه التماثيل "بالاصنام" مكفرين من ينوي تدريسها للأجيال ، هذه الاصنام التي تتمنّى دول أنها خرجت من أرضها ، و قد تصل إلى حدّ الاحلام... لا أدري أيّ مستوى من الجهل قد وصل إليه بعض البشر؟
" و للبعض" ماذا تريدون للمناهج أن تتضمن؟ هل تريدون جيلا متدينا غير مثقف؟ يستطيع أن يُجرّ لانفاق مظلمة دون رادع ثقافي؟ دون محفظة فكرية معرفية مختلفة؟
يرقصون في الشارع ، في مدرجات المباريات ، يحملون صور اللاعبين ، يضعونها على صفحاتهم ، يختلفون في نتائج المباريات إلى حد العِراك ، ثم ببلاهة يقولون...لا نريد مناهج فن و موسيقى...
كيف سيبنى الجيل و البعض يريدنا أن نعود للوراء ، يشدّنا بالفكر المُستهلك و التجارة بالتديّن الزائف...فما بين الاصنام و الاحلام...سقطت كثير من العقول.. فسقطنا.