في عصور الضياع تتحول الحكومات لشركات
صالح الراشد
22-09-2024 09:47 AM
ضياع يجتاح العالم وضعف في الرؤيا أصاب أصحاب القرارات السياسية والاقتصادية رافقها تراجع في القيم الإنسانية والمجتمعية، لتسير الدول بسرعة صوب سراب لن تجد عنده ما يتسبب في نهضتها بعد أن سلمت قرارتها لمجموعات من "الأميين الثانويين" الذين هم مجموعة من الأشخاص المتمكنين من المعارف التقنية والعلمية "حملة الشهادات"، لكنهم فارغين فكرياً وأيديولوجياً وعاجزين عن التعاطي مع الإشكالات الفلسفية والنظرية المتصفة بكثافة وعمق المعنى، لنجد أنهم يعانون من فقدان التفكير الايجابي القائم على المعرفة الشمولية والقدرة على استشراف المستقبل، لتدفع المجتمعات ثمناً غالياً لثقافتهم القائمة على السخافة السطحية الداعية للتعامل مع الخيال غير المقبول منطقياً وفكرياً على أنه واقع حتمي.
وساهمت الفضائيات المنتشرة بكثرة في تجهيل المجتمعات وتخديرها بغية جعلها تتقبل جميع الطروحات غير المنطقية التي تخدم مشغلي هذه القنوات الأساسيين وليس الذين هم في الصورة، لنجد أنها تعمل بطريقة خشبية لا تعود بالفائدة على المتلقي من خلال صناعة وإدارة حوارات طويلة حول موضوع واحد، ولتحقيق هذا الغرض تعمل على استضافة مجموعات من المحللين يهدرون الوقت في التنظير واختراع نظريات كاذبة للتلاعب بالفكر المجتمعي، رغم أن نتائج الأحداث تكون محددة ومعروفة للجميع ليكون النقاش بلا قيمة وبلغة جوفاء قائمة على التشدق لأجل الظهور، وتعتبر اللغة الخشبية صالحة لأي مكان وفي أي زمان وهي لغة نظام التفاهة الذي يسيطر على العالم في العصر الحالي.
ووصولا لتخدير الشعوب وإبعادهم عن القيم العليا والأهداف الكُبرى يتم إبعاد الخبراء وأصحاب القيم والمبادىء عن مراكز القرار، ويتصدر المشهد السياسي والإعلامي والمجتمعي مجموعات بشرية تتسم بالرداءة الفكرية، فيما يقود المشهد الاقتصادي عدد من الواجهات الوطنية العاملة على إدارة المال الأجنبي بهدف السيطرة على الأسواق المحلية لتصبح الدول محتلة إقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وهنا يصل الباحثون عن استعباد الدول لأهدافهم بفضل تراجع جودة المُخرجات البشرية والصناعية والخدماتية في تلك الدول في ظل تهميش القيم والمبادىء لتظهر الأذواق المنحطة، ليتسيد المشهد أصحاب الفكر السطحي كل ذلك من أجل خدمة رأس المال.
وتتعاظم الكارثة في تلك الدول حين يتحول العمل السياسي من عمل غايته خدمة الشعوب والنهوض بالدول بفضل مقدراتها إلى ادارة منظومة عمل، لتعمل الحكومات على الخصخصة وبيع مقدرات الدولة لتحقيق الربح السريع غير المرهق تحت شعارات متعددة، لتشعر الشعوب أن الحكومات قد تحولت لشركات ربحية رغم ان دور الحكومات ليس ربحي، لتقتصر وظيفة الحكومات في تلك الدول على الأمن الداخلي والخارجي والقضاء بدلاً من العمل على إيجاد نهضة شمولية باستخدام مقدرات الدولة واستغلال طاقاتها البشرية والصناعية والإنتاجية والزراعية، وصولاً لقرار سياسي اقتصادي حُر بعد أن تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع وتشرب مما تعصر .
آخر الكلام:
يتقبل الإنسان فكرة العبودية حين تكون لله ويتعايش معها حين يكون مُكرهاً، لكن أسوء ما في العبودية وما لا يتقبله العقل أن تكون عبداً لعبد.