سليم المعاني يكتب ل عمون : حدث في موزمبيق ..
15-05-2011 10:34 PM
مع الاستئذان من شاعرنا الكبير الاستاذ حيدر محمود
(1)
مقدمة لا بد منها..
تلجأ أنواع من الكائنات الحية الى ما يسمى بحالة السكون الشتوي ... ويشعر المرء أحيانا برغبة جامحة بالركون الى استراحة المحارب وربما تدفعه حالات " اللامعقول " و " اللغط " و" التدافع الشديد " و" اللغو " و" اختلاط الحابل بالنابل " الى تطبيق قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو فاليصمت " ...
كما ان الحكمة تقول : " رب كلمة تقول لصاحبها : دعني " !!
وأصل هذه الحكمة ــ كما يقال ــ : " ان النعمان بن المنذر خرج ذات يوم تتبعه حاشيته حتى مروا على تلة من الأرض فوقف عندها النعمان وصار يتأمل بالطبيعة من حوله... عندها تقدّم اليه رجل من حاشيته وسأله : ترى يا مولاي لو ذبح احدهم على رأس هذه التلة الى اين سيسيل دمه ؟؟ ففكر النعمان لبرهة ثم قال والله ما المذبوح الا انت! وسنرى الى اين سيصل دمك فامر به فذبح على رأس التلة فقال رجل من الحاشية " رب كلمة تقول لصاحبها دعني "
ربما فيما تقدم اجابة للعديد من الاعزاء الذين كانوا يلحون في السؤال عن سبب توقفي عن الكتابة ... وكنت أجيبهم بالصمت !!
(2)
حدث في موزمبيق
التقيت صديقي بعد ردح من الزمن ... افترقنا قبيل منتصف عقد السبعينات من القرن الماضي ... غادرت الوطن للدراسة ... وتركته عاطلا عن العمل ... وفي العام الذي يلي كان هو الآخر قد غادر الوطن الى بلاد الله الواسعة دون ان يعلم أحد وجهته !!
بعد نحو 37 عاما عاد من غربته وقد اشتعل رأسه شيبا وبان عليه أثر النعمة الفاحشة في المظهر والمسكن والانفاق ببذخ لكنه ظل على حاله المتواضع عكس السواد الاعظم من البشر الذي يتنكرون لماضيهم من حيث المنبت والمعشر ويتوارون بكل ما استطاعوا الى ذلك سبيلا مع أي اثر يربطهم بماضيهم ... بل ويعمدون الى تغيير هواتفهم بين الفينة والأخرى تهربا من اتصال خلانهم القدامى بهم !!
قلت لصديقي : قص علينا القصص ...
قال : كان طموح معظم الشباب خلال عقد السبعينات من القرن الماضي ــ كما تعلم ــ الهجرة الى امريكا او استراليا او كندا ... لكني توجهت الى موزمبيق البلد الحديث الاستقلال بعيد أربعة قرون من الاستعمار البرتغالي ... وتطل على المحيط الهندي ... قلت في نفسي ... هذا بلد مجهول وناشيء لا بد وان تكون فيه فرص عمل عديدة مع قلة الراغبين بالهجرة اليه ... وفعلا غامرت ووصلت عاصمة موزمبيق " مابوتو " التي تقع في الطرف الجنوبي من البلاد ... كانت بلاد بكر .. شاسعة للغاية .. لكن سرعان ما اندلعت فيها حرب أهلية طاحنة كما يحدث في معظم البلدان التي تشهد تحررا ويسودها التخلف والتناحر .. اضطررت مع هذه الحالة ان اتنقل ما بين معظم مدنها : بيرا وسومالا ... وكنت اسخر كثيرا من نفسي لاني هاجرت الى هذا البلد في الوقت الذي يشهد بطالة مستفحلة بين ابنائه تصل الى ما نسبته 82% مما يضطرهم الى الهجرة لزمبابوي واتحاد جنوب افريقيا طلبا للرزق ..
وتابع صديقي المحظوظ : وعلى الرغم من تخلف البلاد وفقرها الظاهر الا أن اتفاقا للسلام تم توقيعه عام 1992 ما بين الحكومة والمعارضة حيث جرت انتخابات حرة وديمقراطية بمعنى الكلمة حيث شهدت البلاد انفراجا واسعا مما اتاح لي التوجه الى منطقة " سوفالا " التي يعرف عنها بأن تربتها غنية بالذهب وعملت في التنقيب عن الذهب والماس حيث فتح المولى علي فتحا مبينا وكونت ثروة ما كنت أحلم بها فقررت العودة قانعا بما رزقني ربي وقلت سأستقر واستثمر في بلدي .
سألته : ما أطرف ما حدث معك أو سمعت عنه في تلك البلاد ؟؟
أجاب : ما سأرويه لك تحدثت عنه الصحف الموزمبيقية طويلا وأثار ضجة واسعة في تلك البلاد مما أثار حفيظة العباد على الفساد الاداري والمحسوبية المستشرية !!
قلت له : لقد شوقتني يا هذا ...
قال : " روكارو " مواطن موزمبيقي يعمل راعيا للأغنام التي يملكها ويتنقل فيها مرة الى السهول الساحلية الشرقية التي تشكل خمسها أنهار تصب في المحيط الهندي وكان احيانا يقترب من المناطق المحيطة من نهر الزمبيري واخرى من نهر لمبوبو وسافا ... الى ان انتقل في محيط العاصمة " مابوتو " ... وبينما كان يستظل بظل شجرة وارفة قريبة من الشارع العام واذ بعربة فخمة تتوقف ويترجل منها رجل تظهر الوجاهة على محياه ... فطرح السلام على الراعي " روكارو " ... فأجابه بأحسن منه ... ثم بادر الرجل موجها كلامه للراعي : ما رأيك أن أحدد لك كم عدد الأغنام التي ترعاها خلال دقيقتين ودون ان احصيها لانها تبلغ المئات وان أصبت آخذ احداها ؟؟
فقال له الراعي : لا بأس : موافق !!
أخرج الرجل لا بتوب وأستخدمه مدة دقيقتين ثم قال للراعي عدد " شلية " أغنامك نحو 965 رأسا من الغنم و 433 ما بين ماعز وجديان سمار ...
فأجابه الراعي : لقد صدقت ... هلا تخبرني كيف عرفت ؟
أجابه الرجل : ما استخدمته هو ابتكار علمي لا يعرفه الاميون امثالك انه " لابتوب " مربوط مع الاقمار الصناعية التي زودتني بالضبط مما تتكون شلية أغنامك ...
قال له الراعي : خذ شرطك أيها الرجل .
ففتح الرجل الصندوق الخلفي لعربته ووضع فيها ما تناوله من شلية الاغنام .
ثم صاح به الراعي : يا هذا : أنا راعي أمي لا أجيد القراءة والكتابة ان حزرت ماذا تعمل هل تعيد لي ما أخذته من شلية الغنم !!
قال له : نعم ..
أجاب الراعي : انك تعمل " مستشارا في الدولة " !!
ذهل الرجل وقال للراعي : كيف عرفت ؟
قال : أعد ما أخذته من شلية الاغنام ... انه ليس غنمة ولا عنزا ولا جديا ... انه كلب السلق المرافق للشلية !!
(3)
قلت لصديقي : انها قصة مذهلة ... وماذا عن استثماراتك في الوطن ؟
قال : لن أطيل عليك ... انها قصة أخرى سأرويها لك يا صديقي في المرة القادمة !!
ssakeet@hotmail.com