عندما تبكي الرجال .. تنهار الجبال و يتجلى الشموخ
الدكتور مهند النسور
20-09-2024 08:07 PM
بكاء الرجل ليس حدثًا عابرًا، بل لحظة استثنائية تتهاوى فيها الجبال تحت وطأة الأحمال الثقيلة، وتنشق فيها القلوب من شدة الألم. وقد تجسد هذا المشهد في بكاء وزير الصحة السوداني معالي الدكتور هيثم عوض الله خلال مؤتمر أمفنت الأخير. لم تكن تلك الدموع سوى انعكاسٍ لأوجاع تراكمت في روحه، لعجزٍ استقر في قلبه، ولإحساسٍ قاتل بالوهن أمام مسؤولية ثقيلة وشعب ينتظر منه المعجزات. تلك الدموع التي ذرفها الوزير لم تكسر فقط صمت القاعة، بل كسرت قلوب كل من شاهدها.
عندما يبكي الرجل، يكون قد وصل إلى نهاية طاقته، بعد أن واجه الظروف بكل تحدياتها وفقد بصيص الأمل في إيجاد الحلول. إنها لحظة اختبار للعزيمة والصبر، ولكن الأصعب من ذلك كله هو أن يبكي الرجل على وطنه، على شعبه الذي أصبح أسيرًا في أرضه، يُناضل من أجل البقاء بينما الواقع يسحبه نحو الهاوية. يبكي الرجال لأن في أعماقهم جرحًا لا يندمل، ولأنهم يشعرون بالعجز أمام معاناة الآخرين. دموعهم ليست دليل ضعف، بل هي انعكاس لقلبٍ يحمل ما لا تتحمله الجبال.
الأشد من كل بكاء، هو أن تبكي على وطنٍ يضيع أمام عينيك، وعلى شعبٍ كريم تحوّل إلى نازحٍ في أرضه، يطارد الأمل في أحلامه ولا يجده في واقعه. مشهد بكاء الوزير كان رسالة صادقة، أبلغ من كل الكلمات. رسالة تفصح عن معاناة تجاوزت حدود التحمل، وعن رجلٍ حمل آمال الناس على عاتقه، لكن عجزه كان أكبر من قدرته على التحمل. دموعه لم تكن دموع ضعف، بل دموع إنسانية نابعة من قلبٍ يحمل مسؤولية عظيمة ويشعر بعجزه أمامها.
في السودان وغزة، يبقى الأمل قائمًا بأن يأتي الفرج، وأن تعود البسمة إلى وجوه نزفت من الألم. في تلك البقاع، حيث تنزف الأرواح، يصبح البكاء لغةً تتحدث بها القلوب عندما تعجز الكلمات. نسأل الله أن يرفع هذه الغمة عن تلك البلدان الجريحة، وأن يعود الأمل ليضيء قلوب الرجال الذين بكوا شوقًا لحياةٍ أفضل.