سلطة الخيار .. دروس في الحوكمة المرنة
الدكتور رائد قاقيش
20-09-2024 10:25 AM
في أوائل يوليو، ظهر على منصة "تيك توك" مستخدم يدعى لوجان (@logagm) بفيديو بسيط يشرح فيه أفضل طريقة لتناول الخيار: عن طريق تحويله إلى سلطة. الفيديو الأولي لم يلفت الكثير من الانتباه، لكن مع مرور الوقت وتنوع الوصفات التي نشرها لوجان، بدأت فكرة "سلطة الخيار" تكتسب شهرة واسعة، حتى أن أحد مقاطع الفيديو حقق أكثر من 20 مليون مشاهدة. وصفات لوجان كانت تتميز بالتنوع، حيث كان يضيف مكونات مختلفة ويهز الخليط في وعاء للحصول على وجبة خفيفة ومنعشة.
قصة لوجان مع سلطة الخيار تحولت إلى ظاهرة، ليس فقط بسبب الفكرة البسيطة، بل بسبب الطريقة التي جدد فيها تقديمها. هذا الأمر يدعونا للتفكير في التشابهات والمقاربات المثيرة للاهتمام بين مفهوم "سلطة الخيار" وإدارة البلاد والحوكمة الرشيدة والرشيقة، وخاصة في سياق الأردن.
مثلما تعتمد سلطة الخيار على تنوع المكونات ومرونتها، تتطلب الحوكمة الرشيقة سياسات مرنة تستجيب لمتطلبات الفئات المتنوعة في المجتمع. لوجان كان يضيف مكونات مختلفة لصنع سلطة شهية، وبالمثل، يمكن للإدارة الناجحة أن تجمع بين سياسات اقتصادية واجتماعية تحقق توازنًا بين احتياجات الناس. هذه الفكرة تتماشى مع نظرية التنوع الثقافي، التي تؤكد أن التنوع يعزز الإبداع والتفاعل المجتمعي. الاعتماد على سياسات مرنة يجعل الإدارة قادرة على تكييف استراتيجياتها مع التغيرات المجتمعية، مثلما تشير نظرية التكيف التنظيمي التي تتطلب تعديلات مستمرة في السياسات لتلبية المتغيرات البيئية والسياسية.
نجاح وصفة "سلطة الخيار" يكمن في بساطتها وسهولة تحضيرها، وهذا يشبه الحاجة إلى البساطة والوضوح في التواصل السياسي. عندما تكون السياسات والإجراءات واضحة ومفهومة، يزداد الثقة بين الشعب والحكومة. هذا ينسجم مع نظرية التواصل البسيط، التي توضح أن الرسائل البسيطة تزيد من التفاعل والثقة بين الحكومة والمواطنين. كما أن التواصل الفعال يدعم تقوية الروابط ويضمن فهمًا متبادلًا للأهداف.
لوجان لم يخترع سلطة الخيار، لكنه قدمها بطريقة مبتكرة وجديدة، مما جذب الملايين. في السياسة أيضًا، هناك حاجة إلى تجديد الأفكار القديمة وإعادة تقديمها بشكل مبتكر يتناسب مع تطلعات الشعب المتغيرة. مثلما استطاع لوجان إعادة إحياء سلطة الخيار، يمكن للإدارة أن تجدد سياساتها لتعكس متطلبات العصر. نظرية الابتكار المفتوح تشير إلى أهمية استيعاب الأفكار الجديدة والتجديد المستمر لتحقيق النجاح.
سلطة الخيار تتسم بأنها غذاء صحي ومنعش، ما يجعلها تتماشى مع مفهوم الاستدامة. وبالمثل، تتطلب الإدارة الناجحة تبني سياسات مستدامة تركز على الاقتصاد والبيئة والتنمية البشرية. نظرية النظام المفتوح تؤكد أن المؤسسات القادرة على التكيف مع التغيرات البيئية والاجتماعية هي التي تحقق الاستدامة وتضمن بقاءها على المدى الطويل.
في سياق الأردن، قد تمثل فكرة "سلطة الخيار" تحديًا يمكن التغلب عليه إذا تم اعتماد نهج مرن ومتنوع في صنع السياسات. قد تفتقر بعض الأنظمة إلى المرونة والبساطة المطلوبة لتقديم حلول مبتكرة، لكن كما جدد لوجان وصفته لجعلها جذابة، يمكن للحكومة تبني أفكار جديدة تحسن التواصل مع الشعب وتحقق التنمية. نظرية المرونة المؤسسية تشير إلى أن المؤسسات التي تتمتع بقدرة على التكيف مع التحديات تستطيع تجاوز الأزمات وتحقيق الاستقرار.
فكرة "سلطة الخيار" ليست فقط درسًا في الطهي البسيط، كما تمكن لوجان من جذب ملايين المتابعين بوصفة بسيطة ومبتكرة، يمكن للحكومات، بما في ذلك الأردن، أن تنجح في كسب رضا المواطنين إذا قدمت حلولًا مرنة ومستدامة تعكس احتياجات المجتمع المتنوعة. بل هي نموذج يُظهر كيف يمكن للتنوع والمرونة، البساطة والتواصل، تجديد الأفكار، والاستدامة أن تلعب دورًا في تحسين الحوكمة والإدارة السياسية. وتحمل دروسًا عميقة في الحوكمة والإدارة.
عبر دمج نظريات مثل التنوع الاجتماعي، المرونة التنظيمية، التواصل الواضح، الابتكار المفتوح، والاستدامة، يمكن للأردن والدول الأخرى الاستفادة من هذه المفاهيم لتعزيز قدرتها على تحقيق النجاح السياسي والاقتصادي. إن الحوكمة الفعالة تتطلب سياسات شاملة ومبتكرة لضمان النجاح والتأثير الإيجابي، وهذه هي فرص الأردن الذهبية لتحقيق ذلك.
* مدرب في الاتصالات والتواصل الإداري الرشيق نائب سابق واكاديمي