شهدنا مؤخرا بلورة تجربة التحديث السياسي، الذي تأسس على مبدأ التعددية السياسية ومنح الأحزاب إمكانية فرض نفسها في المعادلة السياسية، من خلال الانتخابات النيابية التي انقسمت بين قوائم حزبية وطنية وقوائم محلية.
نستطيع القول ان هذه الانتخابات هي استثناءً من سلسلة الانتخابات السابقة التي اتسمت ببعض الانتقادات، ولكن هذه المرة، بالرغم ان الأمور كانت أكثر تعقيدا، الا انها رسخت المشروع الوطني الأردني للإصلاح والتحديث وأضافت المزيد من المصداقية لهذا المشروع الذي لا رجعة عنه.
اما بالنسبة للنتائج فكانت متوقعة لبعض الأحزاب وخصوصا القديمة منها والتي تملك تجارب منظمة تبرر ذلك النجاح، اما بالنسبة للأحزاب الحديثة، فالنتائج فاجأت الكثيرين وبالأخص القائمين عليها والذين اعتقدوا انهم يملكون قاعدة شعبية وأنهم قادرون على تسيّد الشارع الأردني.
ربما يعود فشل العديد من الأحزاب هو الاعتماد على النهج التقليدي الذي يركز على الأفراد بدلاً من البرامج، حيث غابت البرامج الانتخابية عن الحملات في الأردن، بينما سيطرت الشعارات العامة. وبالإضافة الى ذلك، عدم قيام الأحزاب المتقاربة على إيجاد ائتلافات واسعة تقود تيارات ذات برامج واضحة تستقطب المؤيدين لتوجهاتها ومواقفها من مجمل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
كما تبين أيضاً ضعف الدعاية الانتخابية المعتمدة بشكل كبير على اللافتات التقليدية وصور المرشحين الفردية التي تغزو الشوارع وأعمدة الإنارة والجسور وإشارات المرور، وكذلك على التنافس في افتتاح المقرات والمهرجانات للمترشحين بحضور فنانين ومطربين واعلامين، والتي لم تخلو من العزائم والذبائح.
في ذات السياق، اعتمدت بعض الأحزاب على المنافسة في استقطاب قيادات محلية لها حضورها الراسخ في مناطقها وحواضنها الشعبية، مما يعني الاعتماد البعد العشائري او المناطقي للمرشحين، وليس على انتمائهم الحزبي.
ربما على الأحزاب إعادة التفكير بما جرى في الانتخابات لمناقشة الإخفاقات وإعادة النظر في البرامج والبنية المؤسسية الحزبية للحيلولة من إخفاقات جديدة والتي قد تكون أكثر فتكا إذا استمرت على ما عليه. كما بات من الضروري إعادة النظر في فكرة دمج الأحزاب ذات الفكر الواحد وان يتم التخلص من فكرة حزب الرجل الواحد، وبالإضافة الى العمل على نشر الثقافة الحزبية بين أفراد الشعب ليصبح لدينا وعي أكبر بدور الأحزاب.
وأخيرا، نحن بحاجة الى حكومة جديدة وقوية وبصيغة نوعية ومختلفة لتحقق آمال وطموحات الشعب الأردني، وكذلك لتكون بداية لبناء الثقة المطلوبة بين الشعب وقواه المجتمعية ومؤسسات الدولة. وكما ولابد ان تكون الحكومة الجديدة قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية الحالية والمستقبلية، وخصوصا تلك التحديات السياسية القادمة من الإقليم. فهل نحن على الطريق الصحيح؟