من المفيد أن تتعرض المناهج إلى نقد مجتمعي مستمر. فالنقد الإيجابي يحدث فرقًا، وبتقديري، لا أحد يرفض نقدًا ينبه إلى خطأ فاحش! وقد ثبت ذلك حيث استجاب المركز الوطني، وصحّح كثيرًا من المنزلقات الناتجة عن ضيق أفق تربوي لا عن إمعان في التحدي! فالمسألة لا تعدو كونها غياب البعد التربوي، والوعي القيمي، وإمعان المسؤولين بالانفراد "بالغنيمة" التي هبطت عليهم من السماء: مناصب، ووظائف، وأدوارًا.
(١)
نقد المحافظين
شعر المحافظون بأن انتقال المناهج من وزارة التربية إلى مركز مستقل أفقدهم الأداة الحقيقية التي اختطفوا بها الطلبة، والمجتمع، ولذلك تفنّنوا في حشد مجلدات من النقد الأيديولوجي، وبتقديري ستحدث هجمة معاكسة في محاولة إعادة المناهج إلى أحضان وزارة التربية.
وقد قدم المركز الوطني للمناهج مادة خصبة للمحافظين عبر ما أسموه: "مناهج سميرة توفيق" ومطالبات الفنانات الأخريات بإدماجهن في المناهج أسوة بسميرة توفيق على نغمة: "ما حدا أحسن من حدا"!!
المسألة أن المجتمع والساخرين لا يعرفون أن لدينا مادة دراسية هي: الموسيقى! فماذا نقدم خلالها؟ هل نقدم معلومات عن صلاح الدين والمتوكل؟ أم عن موسيقيين ومطربين؟ أليس في تاريخنا "زرياب" والمغنية "وحيد"، والمغني "معبد" و "ابن سريج"؟
لو كان لدينا إعلام تربوي لفهم الناس ما كُتِب في مناهج التربية الموسيقية!
نعم التربية تخاطب المجتمع باستعلاء على أساس أنّ التربية شأن للمختصين فقط!
أرجّح أننا سنشهد هجومًا برلمانيًا كاسحًا وربما ساخرا ضد المناهج والكتب مستغلين؛ بذلك قضايا غير أساسية مثل مناهج سميرة توفيق!! فهل كان بالإمكان تجنب إعطاء ذرائع للمهاجمين؟؟
أسجل أولًا أنني من المتحمسين جدّا لدراسة الفنون والموسيقى! ولا يجوز الاستخفاف بأي فنان أو فنانة.
(٢)
فكر المادة الدراسية!
يعتقد مختصو المواد الدراسية أن موادهم وتخصصاتهم هي أهداف التربية والتعليم، فالمعلمون يعتقدون أنهم يعلمون مواد تخصصهم، ولا يرون أنهم معلمو طلبة!!، ولذلك فإنهم يهتمون بمحتوى المادة، فإذا درّسوا التاريخ مثلًا، فإنهم لا يفكرون إلّا بالأحداث التاريخية وليس بالأطفال، وإذا درّسوا الموسيقى فإنهم يهتمون باللحن "والدّف" وآليات التناسق.
وهكذا يفرض المعلمون على الطلبة والمجتمع معلومات يُعتقَد أن لا علاقة لهم بها.
وهكذا يفعل مؤلفو الكتب: يختارون مادة دراسية ممتعة لهم من دون أن يكون لها أي صلة بالطلبة؛ ودليلي على ذلك:
- قدموا لطلبة الصف السابع من سن ١٣ قصيدة إنسانية متميزة: لحنًا، وبحرًا، ومعاني من دون أن يفكروا بما تنقله أو تقوله، أو مدى ملاءمتها لأعمارهم مثل؛
حتى متى أنت في لهوٍ وفي لعبٍ
فالموت أقبل يهوي فاغرًا فاه!
لا أشك بأن الشعر رقيق! لكن هل من المعقول أن تخاطب أطفالًا بهذا الخطاب؟ وهل عرف أطفال الثالثة عشرة اللهو بعد؟
وهل اقتربوا من الموت فعلاً؟
- وقبل شهر، كتبوا نصّا أدبيّا جيدًا لطلبة الصف الثامن أو السادس يقول: لسان الأردني ليس به عوج
على الرغم من وجود الشركس، والشيشان، والأكراد!!
أي نص هذا! أي مواطنة؟ أي احترام للآخر علمًا بأن هذه الفئات ليس "آخر" إطلاقًا.
وهكذا مشكلتنا مع سميرة توفيق وغيرها!
هذه أمثلة من أخطاء تنتج عن غياب كامل لرقابة تربوية؛ على الرغم من مجالس عظيمة وبشخصيات فرضتها الدولة على طلبتنا ومناهجنا!
(٣)
هل كان يمكن تجنب ذلك؟
الجواب: نعم! كان يمكن الحديث عن فنانين لهم بعد في ضمير الناس مثل توفيق النمري أردنيّا، أو فيروز، أو أم كلثوم عربيّا! مع أني لا أرى ما يمنع من احترام كل فنان! فالأطفال لا يعرفون توفيق النمري؛ وحين قدمناه لهم لم تثر أي ضجة لعل المطلوب ما يأتي:
- تعريف الأطفال بأصالة الفن، والقيم الفنية.
- تجنبنا أي سخرية كالتي سادت وسائط التواصل!
وهكذا؛ يبقى السؤال:
لماذا يحدث كل هذا ولدينا مجلسان بقرارات من مجلس الوزراء، وبتنسيب من وزراء مطورين؟
لماذا يحدث هذا ولدينا ست، أو ستة وستون مراجعًا ومراجعة؟
هل تعتقدون أن أحدًا منهم قرأ هذه الكتب؟
فهمت عليّ جنابك؟!