تشكيلة الحكومة .. بداية التغيير الجريء أم تكرار للنهج؟!
محمود الدباس - ابو الليث
19-09-2024 02:46 PM
تشكيل حكومة دولة الدكتور جعفر حسان الجديدة.. جاء في وقت حساس للأردن.. حيث تزايدت التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وتأتي هذه الحكومة كخليط من وزراء جدد.. وآخرين من الحكومة السابقة.. وهذا التكوين بحد ذاته يثير الكثير من الملاحظات.. حول مدى قدرة الفريق الجديد على مواجهة تلك التحديات بطريقة فعالة.. فالوزراء الجدد من الذين ينتمون إلى أحزاب حديثة التشكيل.. يواجهون واقعاً مختلفاً عما اعتادوا عليه في بيئتهم السياسية الحديثة التكوين.. حيث يجدون أنفسهم أمام معضلات تزداد تعقيداً.. مع تسارع الأحداث المحلية والإقليمية.. الأحزاب الناشئة التي لم تكتمل بنيتها التنظيمية بعد.. قد تجد صعوبة في التكيف مع متطلبات العمل الحكومي السريع والمتشابك.. إذ إن التجارب السياسية السابقة.. لطالما أثبتت أن التغيير لا يكفي أن يكون في الأفراد.. بقدر ما يجب أن يكون في الفكر والمنهج.. ومن هنا يأتي التساؤل حول قدرة الوزراء الجدد على إحداث هذا التغيير الذي تحتاجه البلاد.
ورغم هذا التوجه نحو التجديد.. إلا أن وجود وزراء من الحكومة السابقة.. خاصة في الحقائب الوزارية الحساسة.. مثل الخارجية والداخلية والزراعة والتربية.. يعكس رغبة في الحفاظ على الاستمرارية المؤسسية.. فالخبرة المتراكمة لدى هؤلاء الوزراء.. تجعلهم في موقع يمكنهم من إدارة ملفات شائكة.. تتطلب توازناً دقيقاً بين الاستقرار السياسي والتحديث المطلوب.. وهذا يقودنا إلى ما تسميه نظرية الوكلاء في العلوم السياسية.. حيث يتم اختيار الوزراء بناءً على قدرتهم على تنفيذ سياسات معينة بفعالية.. مما يفسر بقاء بعض الشخصيات التي تمتلك خبرة طويلة في المناصب الحساسة.. هذه النظرية تركز على القدرة التنفيذية.. لكنها قد تحمل جانباً سلبياً يتمثل في إدامة الوضع القائم.. حيث قد تكون هناك صعوبة في تبني سياسات جديدة.. خاصة إذا كان الوزراء جزءاً من شبكة علاقات طويلة الأمد داخل الحكومة.. والتي قد تُعيق الإصلاح.. بسبب تداخل المصالح الشخصية والعملية.
وبالنظر إلى السير الذاتية لأعضاء الحكومة.. يظهر تنوع كبير في الخبرات والتوجهات.. فهناك من يمتلك خلفيات اقتصادية عالمية.. ويأتي بتجارب مع مؤسسات دولية.. مثل البنك الدولي.. وصندوق النقد الدولي.. وبعض الصناديق الاقليمية.. بينما ينتمي البعض الآخر إلى تيارات سياسية ناشئة.. تحاول الاقتراب أكثر من نبض الشارع الأردني.. وهذا التنوع يعكس جانباً من الاتكاء على نظرية الشبكات في العلوم السياسية.. حيث تعتمد الحكومة على شبكات من العلاقات.. والتي تشكلت عبر سنوات من العمل في القطاع العام.. هذا قد يعزز الاستقرار المؤسسي.. لكنه في الوقت ذاته قد يشكل تحدياً أمام تجديد الأفكار والتوجهات.. فالتغيير لا يكفي أن يكون في الأفراد فقط.. بل يجب أن يمتد إلى الفكر والسياسات.
على الصعيد الاقتصادي.. تواجه الحكومة تحدياً كبيراً.. فالاعتماد المستمر على سياسات التقشف.. واللجوء إلى القروض الدولية.. يشكل ضغطاً متزايداً على المواطن الأردني.. الذي بات يعاني من تدهور في القدرة الشرائية.. وارتفاع في نسب البطالة.. الحكومة الجديدة رغم ما قد تمتلكه من خبرات اقتصادية قوية لدى بعض أعضائها.. قد تجد نفسها مجبرة على السير في نفس النهج التقليدي.. والذي يعتمد على المؤسسات المالية الدولية.. وهذا يرتبط بنظرية التبعية في العلاقات الدولية.. حيث تشير هذه النظرية.. إلى أن السياسة الداخلية للدول الصغيرة.. تتأثر بشكل كبير بعلاقاتها مع القوى الكبرى.. فاختيار بعض الوزراء نتيجة علاقاتهم مع مؤسسات دولية.. يعكس توجهاً نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية.. ولكنه قد يفرض قيوداً على الحكومة في اتخاذ قرارات جريئة.. لمعالجة الأزمات الداخلية.. هذا يعني أن الحكومة الجديدة أمام خيار صعب.. كيف يمكنها التوفيق بين التبعية للعلاقات الدولية.. وحماية السيادة الوطنية.. وبين الاستمرارية المؤسسية.. وتحقيق التحديث المطلوب.
وفي هذا الإطار.. هناك حاجة ماسة لإعادة النظر.. وبشكل جدي وحازم.. في القرارات التي اتخذتها الحكومة السابقة.. تلك القرارات التي اعتبرت جريئة ومصيرية من قبل صانعيها.. لكنها أسهمت في تدهور الاقتصاد.. وتفاقم الأزمات المالية.. حيث أثقلت كاهل المواطن.. وخلقت بيئة طاردة للاستثمار.. مما دفع العديد من الشركات إلى الإغلاق.. أو نقل نشاطاتها إلى بلدان مجاورة.. بحثاً عن فرص أفضل.
بالإضافة إلى ذلك.. نجد أن الكثير من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.. التي كانت تُعتبر عماد الاقتصاد الوطني.. تقف اليوم على حافة الإفلاس أو الإغلاق.. ما يضع الحكومة الجديدة أمام مسؤولية كبيرة.. تتطلب قرارات سريعة وجريئة.
من جهة أخرى.. يتطلب استعادة ثقة المستثمرين.. التعاون مع القطاع الخاص.. وتقديم بيئة استثمارية مشجعة.. فالشراكة بين القطاعين العام والخاص.. قد تكون مفتاحاً لإعادة البناء الاقتصادي.. ويجب على الحكومة أن تبادر بخطوات ملموسة.. لتحفيز هذه الشراكة.. وتحسين الظروف التي تجذب الاستثمارات.
كخلاصة للأمر.. الحكومة أمام فرصة حقيقية لإحداث تغيير ملموس.. تغيير يتطلب جرأة وسرعة في اتخاذ القرارات.. وإعادة بناء الثقة بين المواطن وحكومته.. كما أن هذا التغيير يحتاج إلى تخفيف الاحتقان الذي بات واضحاً لدى الجميع.. فإذا نجحت الحكومة في هذه المهمة.. فستكون قادرة على استعادة الثقة.. وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي الذي طال انتظاره.. يجب أن يكون هناك انسجام داخلي.. ورؤية موحدة لتجاوز التحديات.. وتقديم حلول اقتصادية واجتماعية شاملة.. تضع مصلحة الوطن والمواطن في مقدمة أولوياتها.