سعت الدولة الأردنية منذ منتصف القرن الماضي نحو تمكين المرأة وتعزيز مشاركتها السياسية والاقتصادية، وقد ظهر ذلك بوضوح في الدستور- بصفته الوثيقة الأسمى في الدولة- حينما تضمنت المادة (6) منه الحق في المساواة وعدم التمييز، فالأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات، مهما كان هناك من اختلافات؛ فالاختلاف في التوجه السياسي على سبيل المثال لا يؤدي إلى عدم المساواة ما دامت المراكز القانونية متساوية، كما أن الاختلاف في المكانة الاجتماعية أيضًا لا يؤدي إلى عدم المساواة، وقد أورد المشرع في تلك المادة أمثلة لأبرز صور الاختلاف، وهي الاختلاف في اللغة أو العرق أو الدين.
كما أن االدولة أكدت من خلال الميثاق الوطني- بصفته وثيقة التزام أدبي- أن الأردنيين "رجالًا ونساءً" أمام القانون سواء، وأن المرأة "شريكة للرجل، وصنوه في تنمية المجتمع الأردني"، وقد أتبع ذلك انضمام الأردن إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).
وقد سبق للدولة الأردنية أن اعترفت للمرأة بالحق في الانتخاب، ثم اعترفت لها بالحق في الترشح، إلا أن الدولة لاحظت صعوبة وصول المرأة إلى المجالس المنتخبة لأنها تتنافس مع الرجل الذي يحظى بقبول شعبي فيما يتعلق بإدارة الشأن العام، فعمدت إلى أسلوب الكوتا بصفته أحد أدوات التمييز الإيجابي (تخصيص مقاعد لا يتنافس لشغلها إلا النساء).
لقد كان الهدف من أسلوب الكوتا الذي تبنته الدولة منذ عام 2003 تمكين المرأة سياسيًا، لتثبت كفاءتها فتحظى بقبول شعبي يؤهلها للحصول على مقاعد في المجالس المنتخبة بالتنافس مع الرجل فيما بعد، إلا أنه على امتداد (20) عامًا أصبحت الكوتا المسار الرئيسي لوصول المرأة إلى تلك المجالس، مع فوز بعض النساء على مسار التنافس في هذه الانتخابات أو تلك.
اليوم، في انتخابات مجلس النواب الـ (20) وصل إلى المجلس (9) نساء عن طريق التنافس على المقاعد المخصصة للحزبيين. إن هذا الفوز ما كان ليتم لولا قانون الانتخاب، ذلك القانون الذي جاء استجابة للتعديل الذي طرأ على المادة (6) من الدستور في سنة 2022 الذي أوجب على الدولة ضمان تمكين المرأة، وجعل عنوان الفصل الثاني من الدستور "حقوق الأردنيين والأردنيات وواجباتهم".
لقد أوجب المشرع من جانبه على الحزب الذي يرغب بترشيح أعضائه للتنافس على المقاعد المخصصة للأحزاب (الدائرة الانتخابية العامة) تقديم أسماء المرشحين وفق ترتيب معين تراعى فيه مسألة إشراك المرأة في الحياة السياسية، فيجب أن يكون من بين أول (3) أسماء ضمن قائمة الحزب امرأة واحدة على الأقل، ومن الأسماء الثلاثة التي تليها أيضًا امرأة واحدة على الأقل.
إن قانون الانتخاب يعد- من هذه الناحية- خطوة إصلاحية حققت ما عجزت عن تحقيقه محاولات الدولة لتغيير الصورة النمطية عن المرأة وإقناع الناخبين باختيارها، وأنها "تستطيع"- كما الرجل- وأنه لا أفضلية لأحدهما على الآخر إلا بالكفاءة.
إن سلامة تنظيم العمل الحزبي تؤدي إلى تعزيز المشاركة السياسية وتمكين المرأة من الوصول إلى المجالس المنتخبة بعيدًا عن إطار "الكوتا" بمفهومها التقليدي.
* د. محمد رحامنه/ الجامعة الأردنية