سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة
صلاح الدين نصرت البيطار
18-09-2024 06:35 PM
تتغير الظروف الاقتصادية العالمية بشكل مستمر نتيجة للعديد من العوامل منها التقدم التكنولوجي والتغيرات السياسية والأزمات الاقتصادية وغيرها من العوامل مما يستوجب على المناطق الاقتصادية الخاصة أن تتكيف لتتناسب وتوائم بيئة الأعمال المتغيرة والتغيرات الاقتصادية التي استجدت فالمنظور التقليدي الذي يعتمد على الجمع بين الحوافز الضريبية والحلول العقارية للمستثمرين أصبح منظوراً قديماً لمنطقة العقبة الاقتصادية الخاصة ولايواكب المتغيرات والاتجاهات الحديثة ممايوجب عليها أن تبدأ عملية الموائمة بين الدور الذي من الممكن أن تقدمه ضمن عملية الإنتاج التكاملية على المستوى الوطني وكذلك العمليات الخارجية على المستوى الإقليمي.
أنطلقت العقبة الاقتصادية منذ بدايتها بكل فعالية ونشاط وبرؤية ملكية سامية ودعم غير محدود لتكون بوابة الأردن نحو الاقتصاد العالمي ومحركاً تنموياً اقتصادياً متكاملاً متعدد الأنشطة تجارياً واستثمارياً وسياحياً وصناعياً، حيث يمتزج بها الموقع الاستراتيجي جغرافياً وتوفر البنية التحتية وموجوداتها الطبيعية والبشرية، وكمركز نقل إقليمي متعدد الوسائط، وحققت نجاحات وقفزات نوعية من حيث تضاعف حجم الاستثمارات الأجنبية وعدد ونشاط الشركات المسجلة، ومنحت استقلالية القرار مع تفويضها الصلاحيات الكاملة لصلاحيات الحكومة لتكون نموذجاً إداريا يتمتع بالمرونة وسرعة الاستجابة في اتخاذ القرارات، إلا أن استقلالية قرارها وصلاحياتها اعتبرها بعض الحكوميين بأنها خارج نطاق السيطرة وخارج نطاق الحكومة المركزية وهذه من أكبر المعضلات التي واجهتها المنطقة وعلى فترات عديدة ، والتي بالتالي أبطئت من وتيرة تقدمها وتطورها وأفقدتها فعاليتها وحدت من تأثيرها الإيجابي على الاقتصاد الوطني حيث لم يكن التدخل الحكومي دائماً في صالح المنطقة فالتدخل المبالغ فيه تسبب بتعطيل وبطء تقدمها وفقدت العقبة مرجعيتها وقرارها المستقل وشخصيتها الإعتبارية.
وخلال هذه التدخلات السلبية لبعض الحكومات المركزية عانت من عدم استقرار القوانين والأنظمة واستقرار تعديلها لا لتجويدها وإنما بسحب بعض الصلاحيات والامتيازات التي منحت للمستثمرين كخدمة النافذة الواحدة كمرجعية واحدة إلى مرجعيات متعددة كدائرة ضريبة الدخل والمبيعات ودائرة الجمارك العام، بعد إن كانت صلاحيات هذه الدوائر ممنوحة كاملا لسلطة منطقة العقبة، أضف إلى ذلك تمويل بعض مواردها الرئيسية إلى الحكومة المركزية مما أضعف من قدرتها على التطور وتحقيق أهدافها ولم تنجح السلطة ولا الحكومة في تحقيق التوازن بين الرقابة السياسية الكافية والتحرر من البيروقراطية المعطلة.
ونحن هنا بحاجة إلى إعادة صياغة الأهداف الرئيسية التي أنشئت على أساسها المنطقة، ومدى ملائمة المزايا والمحفزات المقدمة مع متطلبات المستثمرين في مختلف القطاعات الاقتصادية والأنشطة والصناعات الجديدة الناشئة التي أصبحت محركات للعولمة الاقتصادية، فيلزمنا وضع استراتيجيات قطاعية نوعية متجددة أكثر استهدافاً لدفع النمو الاقتصادي والمجتمعي وهذا يقودنا إلى استحداث هيكل تنظيمي بقدرات وكفاءات متميزة على مستوى الإدارة العليا وإعادة تفعيل استقلالية إدارة المنطقة من خلال اختيار إدارة حقيقية كفؤة تعمل وفق منهجية وديناميكية ورؤية تقوم بوضع الخطط والاستراتيجيات ومتابعة إنجاز الأعمال ورقمنتها بالكامل، وليس بمتابعة الأعمال اليومية التي تقوم الإدارة الوسطى بها، وهنا يأتي دور تحسين أداء وجودة الكوادر الإدارية والفنية وتفويضها الصلاحيات المناسبة لإنجاز سير الأعمال اليومية وتوحيد مرجعية الجهة التي سيتعامل معها المستثمرين بشكل يومي لإعادة الفعالية التشغيلية بإجراءات ووقت معالجة أقصر، ولا يجب أن يغيب عنا هنا وجوب إشراك القطاع اخاص وممثليهم من القطاعات الرئيسية والحيوية بالمشاركة في وضع الخطط الاستراتيجية والقوانين وفي تحمل مسؤولياتهم ومراعاة مصالحهم التي لا تتعارض مع الصالح العام والتي يجب أن ترقى إلى المشاركة الحقيقية الفاعلة في صنع القرار وتطبيقه مما يمنح القرارات حماية وأهلية اقتصادية.
فاليوم أن كنا نبحث عن انطلاقة متجددة للعقبة الاقتصادية، فمتابعة سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني حفظه الله المتواصلة والحقيقية تعطي زخماً ودفعة قوية لمواصلة العمل تقاطعاً مع المؤشرات والنتائج الإيجابية للتصنيف الدولي للاقتصاد الوطني في عدة مؤشرات منها الابتكار والشمولية والإستدامة والمناعة والقوى البشرية والذي سيكون له انعكاس إيجابي على تنافسية المنطقة وعلى الاقتصاد الوطني وجذب الاستثمارات وتحسين الفرص الاستثمارية والاقتصادية.
وتمتلك العقبة مكونات تفتح آفاقاً جديدة للتنمية وفرصاً هائلة لتنمية الاقتصاد المحلي واستحداث الوظائف وتوطين الصناعات لتتكامل المنطقة الاقتصادية مع الاقتصاد الوطني، مع إعطاء الأولوية لحسن التوظيف واستخدام مصادر الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة في العمليات الصناعية مع تحقيق التوازن البيئي والتقليل من استهلاك المياه مما يعزز التوجهات نحو الاقتصاد الأخضر والذي يقودنا إلى تحسين نوعية وجودة الحياة للمواطن والمستثمر والعامل، حيث أن الإنسان هو المستهدف والمحور والمحرك لكل تنمية ونهضة ننشدها