عند الحديث عن انفجار أجهزة البيجر.. التي كانت بحوزة عناصر وقيادات تابعة لحزب الله.. نجد أنفسنا أمام تساؤلات لا بد أن تُطرح بروح علمية ودقة مهنية.. ففي عالم التقنية.. عندما يتعلق الأمر بتفجير أجهزة إلكترونية متزامنة.. يجب استبعاد الفرضيات غير المنطقية.. والتركيز على ما يمكن تفسيره بناءً على ما نعرفه من تقنيات وأدوات.

أول ما قد يتبادر إلى الأذهان.. هل يعقل أن كل جهاز بيجر تم تزويده بمتفجرات صغيرة؟!.. وهل من المنطقي أن يتم زراعة هذه المتفجرات.. داخل مئات الأجهزة دون أن تُكتشف؟!.. هذا الطرح يبدو معقداً بشكل كبير.. فنحن نتحدث عن أجهزة صغيرة الحجم.. يصعب للغاية وضع مواد متفجرة بداخلها.. دون التأثير على وظائفها أو شكلها الخارجي.. فضلاً عن الجهد الهائل المطلوب لتنفيذ مثل هذه العملية على نطاق واسع.. ولذلك.. هذا السيناريو يصبح أقل إقناعاً إذا ما وضعناه تحت المجهر العملي.

إذن.. ما هو الأكثر منطقية؟!.. إن الأمر الأرجح.. هو وجود استغلال إلكتروني لهذه الأجهزة.. فمن الممكن تماماً إرسال إشارة موحدة إلى جميع أجهزة البيجر.. إشارة تكون قادرة على تفعيل خلل أو ثغرة داخل النظام الإلكتروني لهذه الأجهزة.. وهنا لا نتحدث عن مجرد إرسال رسالة.. بل نتحدث عن استغلال دقيق للنظام الداخلي لكل جهاز.. استغلال يمكنه أن يؤدي إلى تسخين مكونات الجهاز بشكل مفرط.. أو إحداث قصر كهربائي داخلي يؤدي إلى تفجيره.. أو حتى إجراء تحديث برمجي يؤدي إلى تفعيل برمجية مخفية داخل الجهاز تم زرعها.. إما عند التصنيع.. أو من خلال تحديثات لاحقة.. إذا تم إرسال إشارة معينة إلى هذه الأجهزة بعد أن أصبحت مهيأة للانفجار بسبب ذلك التحديث.. فإن النتيجة ستكون متزامنة ومتناسقة في جميع الأجهزة.

هذا النوع من الهجمات معروف في عالم الأمن السيبراني.. حيث يمكن التحكم عن بُعد في الأجهزة المتصلة بالشبكات.. خاصة إذا كانت هناك ثغرات في تصميم الجهاز.. أو في نظام الاتصال الخاص به.. وما يعزز هذا الطرح.. هو أن أجهزة البيجر تعتمد بشكل أساسي على استقبال إشارات لاسلكية.. وإذا كان هناك تلاعب أو اختراق في نظام الاتصال هذا.. فإن إرسال إشارة معينة.. قد يؤدي إلى تعطيل الدوائر الإلكترونية بداخل الجهاز.. أو حتى التسبب في خلل يؤدي إلى الانفجار.. وهنا تكمن الفكرة.. لا حاجة لزرع متفجرات في كل جهاز.. بل يكفي أن يكون هناك ثغرة في النظام.. يتم استغلالها بطريقة دقيقة لتنفيذ هجوم منسق يؤدي إلى تفجير كافة الأجهزة في لحظة واحدة.

هذا التفسير يتماشى مع ما نعرفه عن تقنيات الهجمات السيبرانية.. التي أصبحت أكثر تطوراً ودهاءً.