موقف جلالة الملك في مواجهة التعنت الإسرائيلي
د. أشرف الراعي
18-09-2024 10:07 AM
يشهد الصراع العربي - الإسرائيلي واحدا من أكثر فتراته تعقيداً وصعوبة، حيث تواجه القضية الفلسطينية ضغوطاً هائلة جراء السياسات المتعنتة التي تتبناها الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، وهذا التعنت لا يعكس فقط توجهات سياسية داخلية إسرائيلية بل يعيد صياغة موازين القوى الإقليمية والدولية في التعاطي مع ملف حل الدولتين.
وفي هذا السياق، يبرز الموقف الأردني كصوت عربي قوي وثابت في مواجهة المخططات الإسرائيلية التي تتعارض مع الأسس التي يقوم عليها حل الدولتين، وهو موقف راسخ عبر عنه جلالة الملك عبدالله الثاني خلاله لقاءه أبناء مجتمعنا الأردني الواحد في جرش أمس، وتأكيد جلالته وقوف وطننا إلى جانب الأشقاء في غزة والضفة الغربية.
ولا يخفى على المتابع أنه ومنذ توليه السلطة، أظهر "بنيامين نتنياهو" استعداده لاتباع سياسات متشددة تزعزع استقرار المنطقة وتعقد آفاق التوصل إلى تسوية نهائي؛ فتحت غطاء "الأمن القومي"، استمرت حكومته في توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، في تحدٍ واضح لقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، الذي يعتبر الاستيطان غير شرعي في سياسات ليست مجرد خطوات منفردة، بل هي جزء من استراتيجية إسرائيلية طويلة الأمد لتفكيك إمكانية إقامة دولة فلسطينية متماسكة ومستقلة.
وإضافة إلى الاستيطان، تحاول إسرائيل بشكل متزايد تغيير الوضع القائم في القدس الشرقية، بما في ذلك الانتهاكات المتكررة في المسجد الأقصى، وهذه الخطوات بالطبع تعد محاولة لفرض وقائع جديدة على الأرض تهمش أي حديث جاد عن حل الدولتين، ومن الواضح أن حكومة نتنياهو لا تعترف فعلياً بإمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافياً وقابلة للحياة، مما يدفع الصراع نحو سيناريوهات أكثر تعقيداً.
الأردن، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، يُعد حامياً لمبدأ حل الدولتين وداعما لحقوق الشعب الفلسطيني؛ فالموقف الأردني ينبع من التزام تاريخي وسياسي تجاه القضية الفلسطينية، فضلاً عن علاقته الوطيدة بالقدس، كونه الوصي على المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، ومن هنا فإن الحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي للقدس يعد خطا أحمر في السياسة الأردنية، وأي محاولات إسرائيلية لتغيير هذا الوضع يقابلها رفض قاطع من مراكز صنع القرار في عمّان.
ويدرك الأردن أن عدم التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، ولهذا السبب، يسعى الأردن دائماً لتفعيل الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية، لضمان استمرارية الحوار حول حل الدولتين كإطار وحيد لتسوية النزاع.
أما الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة الرئيس جو بايدن فقد تبنت خطابا سياسيا يدعم حل الدولتين بشكل نظري، لكن على أرض الواقع لا تزال مواقفها تعكس تناقضات واضحة، ورغم أن بايدن أعلن صراحة عن دعمه لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، إلا أن خطواته الملموسة تجاه الضغط على حكومة نتنياهو للالتزام بالمعايير الدولية المتعلقة بهذا الحل لا تزال متواضعة.
كما أن الإدارة الأمريكية، التي تسعى للحفاظ على علاقتها الاستراتيجية مع إسرائيل، تجد نفسها عالقة بين دعم الحلفاء من جهة، ومحاولة تحقيق استقرار إقليمي عبر حل الدولتين من جهة أخرى، وفي المقابل، يستمر الكونغرس الأمريكي، وبخاصة الأجنحة الداعمة لإسرائيل، في تمرير قرارات تعزز من الدعم المالي والعسكري لإسرائيل، مما يقلل من قدرة الإدارة على ممارسة ضغوط حقيقية.
في ظل هذا المشهد المعقد، يتزايد التساؤل حول مدى قدرة المجتمع الدولي على التدخل لإعادة إحياء مسار المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أما الدول الأوروبية، التي طالما كانت داعمة لحل الدولتين، تجد نفسها اليوم في موقف صعب بسبب غياب الإرادة السياسية القوية داخل الاتحاد الأوروبي لاتخاذ إجراءات عقابية ضد إسرائيل.
أما بالنسبة للدول العربية، وعلى رأسها الأردن، فإن الاستمرار في العمل مع الشركاء الدوليين يعد أمرا حيويا، والمبادرة العربية للسلام، التي لا تزال على الطاولة منذ عام 2002، والتي كانت وما زالت تمثل إطارا مناسبا لإحياء الجهود الدولية، لكن ذلك يتطلب التزاما دوليا، وبخاصة من الولايات المتحدة، بفرض حل عادل وشامل.
ورغم الضبابية التي تحيط بالموقف الأمريكي، فإن التنسيق بين الأردن والولايات المتحدة يظل عنصرا محوريا في الضغط على إسرائيل لإعادة التفكير في سياساتها الراهنة؛ فالأردن لا يزال يحافظ على علاقات استراتيجية قوية مع واشنطن، وهذه العلاقة يمكن أن تكون مفتاحا لتعزيز الجهود الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة، خاصة إذا ما ترافقت مع ضغوط أوروبية ودولية.
وبالطبع، على المدى الطويل، تظل الحاجة ماسة إلى تحرك دولي جاد يعيد الأطراف إلى طاولة المفاوضات، مع ضمانات دولية واضحة تضع حدا للتعنت الإسرائيلي وتلزم الجميع باحترام الحقوق الفلسطينية، وهنا فالأردن يبقى صوتا مهما يدافع عن الحلول الدبلوماسية ويرفض الانزلاق نحو خيارات الصراع التي لن تحقق أي استقرار مستدام في المنطقة.
لكن في ظل تعنت الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو، يبقى مستقبل حل الدولتين مرهونا بمدى قدرة المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة والأردن، على فرض واقع سياسي جديد يعيد الأمور إلى مسار المفاوضات، فيما الأردن، بفضل موقعه الجيوسياسي ودوره التاريخي في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، سيظل يلعب دورا أساسيا في الحفاظ على هذا الحل كخيار وحيد لتحقيق السلام العادل.
ومع ذلك، فإن الضغوطات التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية عبر سياسات الاستيطان والانتهاكات المتكررة للوضع القائم في القدس، تحتاج إلى مواجهة دولية حازمة، مع ضرورة اتخاذ خطوات عملية لضمان عدم انزلاق المنطقة نحو المزيد من الفوضى والتصعيد.. وهو أمر يركز عليه جلالة الملك باستمرار انطلاقاً من الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، وللعلاقة الأخوية التي تربط الشعبين تاريخياً.