السؤال حول موعد توقف الحرب، لا أحد يملك الإجابة عنه، إذ إن الحرب تحولت إلى حرب مستدامة وقابلة للتمدد، بعد أن اقتربت من نهاية العام الأول، دون أن تجد نهاية محددة.
إسرائيل تعرف ماذا تفعل، وهذا يعني أنها تريد الاستمرار في الحرب، لأنها تخلت عن سياسة التعايش مع الأخطار، وانتقلت إلى سياسة إزالة الأخطار من جذورها إذ استطاعت طبعا، في ظل وجود جبهات مفتوحة بأخطار متدرجة، تخضع لحسابات مختلفة من موقع إلى آخر.
ليس أدل على ذلك من عدم إتمام صفقة الأسرى، ورفض إسرائيل الخروج من قطاع غزة، وتقسيم القطاع إلى شمال وجنوب، في سياق تصور غير معلن حتى الآن، يريد إما تهجير الفلسطينيين كليا من قطاع غزة، أو حصرهم في منطقة محدودة جنوب وشرق القطاع بعيدا عن حدود فلسطين الشمالية، وبعيدا عن حدود القطاع الجنوبية المحاذية لمصر، وكأن أهل قطاع غزة ينقصهم تجميع وضيق، فوق حال القطاع الذي يعد مختنقا بالسكان مقارنة بالأرض.
يضاف إلى ما سبق، أننا أصبحنا أمام مشروع إسرائيلي إستراتيجي يشمل كل المنطقة العربية، وهذا يعني أن ملف الضفة الغربية والقدس ليسا خارج التخطيط، وإذا كانت إسرائيل بنظر بعض المراقبين تتورط في الرمال المتحركة، فإن إسرائيل التي تدرك التراجعات لديها تراهن على تحقيق عدة أهداف، أولها إنهاء كل مشروع الدولة الفلسطينية، بعد أن تم تجاوز اتفاقية أوسلو، وثانيها تصنيع واقع ديموغرافي جديد يتخلص من أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، وثالثها ترحيل الفلسطينيين داخل الضفة الغربية إلى مواقع محددة بحيث يتكرر السيناريو المشابه لغزة، أي إخلاء مدن في الضفة وتنفيذ تهجير داخل الضفة الغربية، والسطو على كافة مساحة غور الأردن من الناحية الغربية، ورابعها محاولة الانفراد بلبنان، وإنهاء أي أخطار منه، ومنع تشابك جبهته مع العراق واليمن وإيران، في سياقات التطهير الإسرائيلي لألغام المنطقة، وخامسها التعامل مع الخطر الإيراني وعدم جدولته، من خلال حرب أو صفقة تسوية سرية، وسادسها الوصول إلى الذروة أي تتويج إسرائيل دولة مركزية في كل الإقليم، بعد كل ماسبق.
هذه مستهدفات إسرائيلية تعني فعليا عدم وقف الحرب، والتورط أكثر، لأن التخطيط شيء، والواقع شيء آخر، لكن شراء الوقت عنوان للسياسة الإسرائيلية، بانتظار الانتخابات الأميركية في تشرين ثاني، التي لو جاءت حتى بكاملا هاريس، فلن تخفض سقف الدعم الأميركي لإسرائيل، لكن وصول دونالد ترمب سيجعل دعمه مضاعفا، وليس أدل على ذلك أن كل هذه المذابح الجارية الآن تقع تحت أعين الديمقراطيين ورئيسهم الحالي في البيت الأبيض.
الحرب مستدامة بما يعنيه ذلك من كلف، ورئيس الحكومة الإسرائيلية الذي يريد تغيير وزير الدفاع، يريد وزيرا يتنبى خطط توسع الحرب ضد لبنان، ولا يمكن اليوم مواصلة التحذير من تحول الحرب إلى حرب إقليمية، لأنها باتت إقليمية أصلا، لكن بدرجات متفاوتة، ومن المؤكد أن كل أطراف المنطقة لا تريد حربا، بما فيها إيران ولبنان، إلا أن إسرائيل كونها انتقلت إلى مسار إزالة الأخطار من جذورها تريد هذه الحرب لكن في توقيت مناسب لها، وبشروط مختلفة، وبشراكة أميركية وغربية، كونها تدرك كلف الحرب الواسعة، وما الذي تعنيه على الكل.
هذا يعني أن إسرائيل حللت شيفرة ضربة السابع من أكتوبر بطريقة مختلفة، فهي لم تكن ضربة بالنيابة عن الغزيين أو الفلسطينيين فقط، بل كانت ضربة ذات أهداف ترتبط بكل المنطقة، وتتموضع إسرائيل فيها، فيما الرد الإسرائيلي يشمل المنطقة كلها أيضا، بما يعني أن الجميع يقر ويعترف هنا أن هذه ليست مجرد حرب فلسطينية-إسرائيلية، وإلا لتوقفت منذ أشهرها الأولى.
الغد