* محور الأمن الغذائي والطاقة لمستقبل الأردن المستدام

في ضوء كتاب التكليف السامي الموجه للدكتور جعفر حسان لتشكيل الحكومة الجديدة، يبرز موضوع المياه كواحد من أهم الملفات التي تتطلب معالجة فورية وفعالة في الأردن، والذي يعتبر واحداً من أفقر البلدان مائياً في العالم.

تواجه المملكة الأردنية أزمة مائية حادة، ترتبط بتغيرات المناخ وزيادة الطلب على المياه بسبب النمو السكاني وغيرها من الاسباب، بالإضافة إلى تراجع موارد المياه اجمالاً خاصة الجوفية منها. في هذا السياق، يجب ان تركز الحكومة الجديدة، كما جاء في الكتاب السامي، على تعزيز أمن المياه كمحور أساسي في جهودها لتحقيق التنمية المستدامة.

يعد مشروع الناقل الوطني للمياه، الذي ورد ذكره في كتاب التكليف السامي، أحد أهم المشاريع الحيوية التي ستعمل الحكومة على تنفيذها. هذا المشروع يُعتبر خطوة محورية لتحقيق الأمن المائي عبر زيادة إمدادات المياه وضمان توزيع عادل لهذه الموارد بين مختلف مناطق المملكة.

يعكس هذا المشروع الشراكة بين القطاعين العام والخاص كنهج مستدام لتحسين الخدمات الحيوية في المملكة، ويهدف إلى تقليل الاعتماد على الموارد التقليدية مثل المياه الجوفية التي تشهد استنزافاً متزايداً.

كما يؤكد الكتاب السامي على أهمية العمل الجاد للحد من الفاقد المائي، حيث يشير ذلك إلى ضرورة اتخاذ خطوات واضحة لصيانة الشبكات واجراءات صارمة للحد من الاعتداءات على شبكات المياه وضمان محاسبة المعتدين، وهذا الأمر يتطلب تعزيز جهود الرصد والمراقبة على أنظمة توزيع المياه، وتفعيل الاجراءات القانونية للحد من هذه الاعتداءات.

الاستراتيجية الوطنية للمياه 2023-2040 تتوافق مع التكليف السامي في عدة محاور، منها أهمية مشروع الناقل الوطني كأحد أعمدة الاستراتيجية، الذي أكد جلالة الملك على ضرورة بدء تنفيذه العام المقبل. كما يعتبر تقليل الفاقد المائي هدفاً رئيسياً للاستراتيجية، وتم الإشارة إليه في كتاب التكليف. كما شدد التكليف السامي على أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتحقيق أهداف المياه، بتمويل المشاريع عبر الاستثمار بدلاً من الاعتماد على المساعدات. أخيراً، تلعب الطاقة المتجددة دوراً محورياً في تقليل تكلفة إنتاج ونقل المياه، مع التوسع في استخدام الطاقة النظيفة لتعزيز استدامة إدارة المياه وتقليل الأعباء المالية.

من ناحية اخرى، تعد المياه عنصرًا حيويًا لتحقيق الأمن الغذائي، الذي تم التأكيد عليه في كتاب التكليف السامي، حيث تشكل المياه العامل الأساسي في دعم الزراعة وإنتاج الغذاء المحلي. الأمن المائي يعد الضمان لاستدامة الأنشطة الزراعية التي تساعد في تعزيز الاعتماد على الذات وتقليل تأثير تقلبات الأسواق العالمية. كما أن الإدارة المتكاملة للمياه ستساهم في الحفاظ على الموارد المائية المحدودة لضمان استمرار الإنتاج الغذائي، مما يعزز منعة الأردن في مواجهة الأزمات الاقتصادية والغذائية الإقليمية والدولية.

كما لا يمكن فصل المياه والطاقة عن هذا السياق، حيث يرتبط كلا القطاعين بشكل وثيق، وفق ما أكده كتاب التكليف السامي. فقطاع الطاقة يلعب دورًا محوريًا في قطاع المياه وقطاع الزراعة. وربط هذه القطاعات الثلاث ضمن مفهوم "الربط الثلاثي بين المياه، الغذاء والطاقة" (Nexus of Water, Food, and Energy) يتيح للأردن تحقيق توازن مستدام في استخدام الموارد، مما يعزز من الأمن القومي ويضمن تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة.

من المتوقع أن تكون حكومة الدكتور جعفر حسان المقبلة أمام تحديات كبيرة في ملف المياه، حيث يشكل هذا القطاع أحد أهم الأولويات الوطنية. اختيار من يحمل ملف المياه في الحكومة الجديدة سيكون قرارًا محوريًا، نظرًا لأهمية المرحلة المقبلة التي تتطلب قيادة قوية وخبرة واسعة في إدارة الموارد المائية. يتوقع من الوزير المكلف بهذا الملف أن يتخذ إجراءات سريعة وحاسمة لتطوير واصلاح القطاع بكل عام ولتحقيق أهداف مشروع الناقل الوطني، وتخفيض الفاقد المائي، والحد من الاعتداءات على خطوط المياه وتعزيز الربط الثلاثي بين المياه والغذاء والطاقة كما ورد في التكليف السامي.

* مستشار مائي اقليمي