دولة الرئيس .. لا تدع الباب يبقى موصداً بلا طارق ..
محمود الدباس - ابو الليث
16-09-2024 07:25 PM
يقول أحد رجال توزيع الصحف.. في يوم من الأيام.. كنت أوزع الصحف على المنازل.. فوجدت أن صندوق البريد الخاص بأحد المنازل مغلقاً.. طرقت الباب.. فخرج لي رجل مسن بخطوات متثاقلة.. سألته: "لماذا أغلقت صندوق البريد؟!".. أجاب بابتسامة متعبة: "لقد أغلقته عمداً.. أريدك أن تطرق الباب أو تقرع الجرس.. وتسلم لي الصحيفة شخصياً".. شعرت بالاستغراب وقلت له: "لكن هذا سيزعجك وسيأخذ من وقتك ووقتي".. فقال بنبرة ضعيفة: "سأدفع لك مبلغاً إضافياً كل شهر.. فقط من فضلك.. إذا أتيت يوماً ولم تجد مني رداً.. اتصل بالشرطة"..
كانت كلماته صادمة.. فسألته: "لماذا يا سيدي؟!".. فأجاب: "زوجتي رحلت.. وابني بعيد عني.. أعيش هنا وحدي.. أحتاج أن أسمع صوتاً يطرق بابي.. أحتاج أن أرى وجهاً يبتسم لي كل يوم.. لأنني لا أعرف متى ستأتي منيتي.. أريد أن أشعر أنني ما زلت جزءاً من هذا العالم"..
اسمح لي أن أتجاوز الأعراف.. وأناديك بدولة الرئيس.. الدكتور جعفر حسان.. وليس دولة الرئيس المكلف.. لأنني على ثقة بأنك ستنال الثقة.. وهذا الخطاب على ما سيكون..
دولة الرئيس.. هذه القصة على بساطتها.. هي صورة حقيقية لما يعيشه الأردنيون اليوم.. هم لا يبحثون عن "الصحيفة" بالمعنى الحرفي.. بل يبحثون عن الشعور بأن الحكومة قريبة منهم.. أن يسمعوا صوتها يطرق أبوابهم.. من خلال سياسات حقيقية.. تلامس حياتهم اليومية.. وليس مجرد وعود وتصريحات جوفاء.. إن المواطن الأردني لم يعد يتحمل أن يعيش في عزلة عن حكومته.. ينتظر وعوداً تلو الوعود التي لا تتحقق.. ولا يجد من يلتفت لمعاناته الحقيقية.. هو يريد أن يشعر بأن الحكومة تستمع إليه.. وتتفهم احتياجاته.. وأن هناك من يطرق بابه قبل أن يضطر للاستغاثة..
التخوف الذي يعم الأردنيين اليوم.. ليس وليد اللحظة.. بل هو نتيجة تراكمات طويلة من السياسات الحكومية السابقة.. التي رسمت الخطط دون تطبيق فعلي.. وألقت بتبعاتها على كاهل المواطن.. وجعلت حياته أكثر صعوبة.. الحكومة الأخيرة تحديداً ساهمت في تعميق الأزمات الاقتصادية.. تراجعت القوة الشرائية.. وتآكلت الوظائف والرواتب.. وأُغلِقت العديد من المنشآت.. وكل ذلك بسبب سياسات اقتصادية أبعدت المستثمرين.. وأغلقت الأبواب في وجه فرص التوسع والانفتاح.. ما رأيناه كان حبراً على ورق.. ووعوداً خالية من التنفيذ.
إن المواطن الأردني اليوم يقف في مواجهة واقع مرير.. يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية متشابكة.. لكنه لا يشعر أن هناك من يقف إلى جانبه.. أو يسعى لحل مشكلاته.. لقد بات يخشى أن تأتي حكومة جديدة لتضيف المزيد من الأعباء دون تقديم حلول جذرية.. لقد اعتاد على أن تُغلق الأبواب في وجهه.. دون طرق حقيقي أو استجابة ملموسة.
يا دولة الرئيس.. نحن بحاجةٍ إلى حكومةٍ تتخذ خطواتٍ جادةٍ.. وحقيقيةٍ.. في معالجة هذا الواقع المأساوي.. حكومة لا تكتفي بإلقاء الخطط من خلف المكاتب.. بل تقترب من المواطن.. تستمع لصوته.. تسعى لجذب المستثمرين بشكل فعّال وحقيقي.. تفتح أبواب الحوار مع القطاع الخاص.. وتوفر بيئةٍ اقتصاديةٍ مستقرة.. فلا يمكن للأردنيين أن ينتظروا أكثر.. ولا يمكن لأبوابهم أن تظل مغلقة في وجه الآمال.. إنهم يحتاجون إلى حكومةٍ تُطرق أبوابهم قبل أن يفقدوا الثقة تماماً.
يا دولة الرئيس.. الأردنيون يريدون أن يروا فرقاً حقيقياً.. وليس مجرد تغييراتّ شكليةٍ.. فلنتحرك اليوم.. قبل أن يأتي الوقت الذي يُفتقد فيه الأمل.. ونجد أن الأبواب قد أُغلقت..