بعيدا عن تصنيفات التخطيط والتنمية الاجتماعية والمجلس الاقتصادي الاجتماعي وصندوق المعونة للفقر والوانه وانواعه ومستوياته. ولكي لا نبحث في قواميس هذه الجهات ووثائق برامجها ونعود لنستذكر ادبيات شبكة الأمان الاجتماعي وبرنامج التكيف الاقتصادي وحتى لا ندخل في دهاليز الفقر المطلق والفقر المدقع وخط الفقر هناك ورطة كبيرة للاردن مع الفقر اصبح من الصعب التخلص منها او مجابهتها ولا حتى الحد منها.
اسباب هذا التورط متعددة بعضها كان وليدا للجغرافيا والاقتصاد وعلاقتنا الجيوسياسية في الاقليم والعالم وبعضها جاء من الزحف الديمغرافي على بلد قليل الموارد وضعيف الامكانات والبعض الاخر صناعة دولية ومحلية ...
حتى نهاية الستينيات كان الاردن بلدا عربيا فقيرا لكنه يتمتع باهمية استراتيجية للأمة العربية والعالم الغربي على حد سواء وكانت موازناته تتلقى الكثير من الدعم التنموي الغربي وبرنامج دعم الصمود العربي بصفته بلد مواجهة إضافة إلى الأموال الطائلة التي تتحصل عليها الفصائل الفلسطينية ويجري انفاقها في الاردن .
في تلك الفترة وبالرغم من انشغال الاردن بالمجهود الحربي وتزايد التهديدات للامن والاستقرار داخليا وخارجيا الا ان ذلك لم يمنع من تأسبس مشاريع اقتصادية كبرى فقد تأسست شركة مناجم الفوسفات وقناة الغور الشرقية والبوتاس العربية وجرى تنفيذ مشروع الطريق الصحراوي ومصانع الأسمنت ونشطت حركة صناعية واعدة في مجال الصناعات الخفيفة استفادت من وجود حاجة عربية للتفاعل مع التجربة الاردنية في قطاعات التعليم والصحة والامن وبناء المؤسسات والتجارة البينية .
حتى عام ١٩٧٣ كان الاقتصاد الاردني يقوم على العمالة الاردنية واصبح الاردن مزودا اساسيا لسوق العمل العربي بالكفاءات المميزة وقد أسهم ذلك في تفريغ السوق الاردني من أغلى ما لديه وبداية ضعف وترهل الادارة الاردنية التي فقدت افضل شخوصها واركانها للسوق العربي المجاور...
في الاردن ضعفت روح المنافسة واصبح الجميع يعتقد بأنه صاحب استحقاق وتغير وجه الاردن الديمغرافي بتوالي الهجرات وأخذت الدولة والاقتصاد يعتمدون على التجارة والسمسرة والوساطات اكثر من الاعتماد على الزراعة و الصناعة وتحولت البلاد الى ما يشبه سوق خدمات يرفده قرابة مليون عامل غير اردني ويعتمد ابناء الاردن على الدولة كمشغل رئيسي وضعفت روح المبادرة والانتاجية والعمل لدى الاجيال وتوجهت اعداد كبيرة من الشباب والشابات للجامعات التي اصبحت تزود الأسواق بعشرات الاف الخريجين لتزج بهم في أسواق متخمة .
لقد انزلقت الأسر الاردنية اكثر واكثر نحو الفقر بفعل غياب الرؤيا لدى القائمين على التخطيط وادارة الاقتصاد والتنمية وغياب الجنسية الثقافية لدى الكثيرين منهم فلم يفهموا المجتمع ولا ثقافته وديناميكيته واشكال التفكير ولا الدوافع الموجهة للناس للاختيار والعمل والانفاق ...
على مدار العقود الاربعة الاخيرة كانت المعالجات سطحية فتارة نأتي بصندوق المعونة الوطنية وتارة نبتدع شبكة الأمان واخرى نحدث شركة وطنية للتشغيل ولندفع باللوم بعيدا عنا نتهم المواطن بأنه أسير لثقافة العيب ....
من غير المفهوم ان تكون لدى الحكومات وزارة بمسمى وزارة التنمية الاجتماعية وان يكون جل عملها خدمات لفئات محتاجة ولا تقدم برامج نهوض اجتماعي او تغيير للقيم والانشطة والأدوار . وزارة التنمية بشكلها الحالي هي استنساخ للشؤون الاجتماعية التي تعالج قضايا التسول والفقر وكبار السن والمعاقين اكثر من اضفاء بعد اجتماعي على عمليات التنمية الغائبة اصلا.
الفقر الاقتصادي الذي غرق فيه اكثر من مليوني اردني ممن يجدون صعوبة في توفير خبزهم وزيتهم يلحق به الملايين ممن يعانون من مشاكل في تأمين الدواء ورسوم دراسة الابناء وفواتير الماء والكهرباء.. ولا يستطيعون جلب الماء لبيوتهم او يسددوا الايجار ...
المطلوب ثورة اقتصادية تتجاوز منح بضعة دنانير لهذا واعفاء طبي لذاك واعفاء رسوم لزيد وتشغيل شهرين لعبيد...
الاردن يحتاج لرؤى تتجاوز معالجة الازمات وحلول غير انية التي نسكن فيها الآلام نحن نختار النواب والحكومات ليحلوا مشاكلنا لا لينضموا الى جماهير الشاكين والمتذمرين...
لا اظن ان الاردنيون يكترثون اذا كان الرئيس وسيما او اكثر وسامة من سلفه بل انهم سيكونون سعداء اذا ماتجاوزت الحكومة والنواب المناكفات وعملوا معا لتقديم برنامج وطني يخفف من اوجاعنا ويرفع من معنوياتنا التي استنفذت ونحن نهلل لانتصاراتنا العشائرية في ما يسمى بالعرس الوطني.