الأردن بين صراع الأجيال والتكامل Z-Y-X
د. ثابت النابلسي
16-09-2024 12:37 PM
يمتاز المجتمع الأردني بتنوع الأجيال التي تشكلت عبر عقود من الزمن، مما أثر في تركيبته الديمغرافية وأدى إلى نشوء تكتلات اجتماعية انعكست على المجتمع بأشكاله المختلفة: اقتصاديًا، وثقافيًا، وسياسيًا، واجتماعيًا.
الصراع الذي قاده "الجيل الصامت" (مواليد 1928-1945)، والذي يميل إلى الالتزام بالتقاليد والقيم المحافظة، هؤلاء الذين عاصروا الحرب العالمية والكساد الاقتصادي الكبير، هم من وضعوا قواعد اللعبة في بناء منظومة متكاملة لقيادة الأحداث عبر الزمن. تلاهم "جيل البومرز" (مواليد 1946-1964) الذين شكلوا ثقافة استهلاكية تنافسية، وقد عاشوا حياة حرة إلى حد ما، حيث كان لهم السيطرة على المشهد دون منافسين حتى باتوا خارج نطاق التأثير المباشر، رغم أن قواعدهم ما زالت تمثل عائقًا أمام الأجيال اللاحقة.
ثم جاء "جيل X" (مواليد 1965-1980)، الذي يميل إلى الاستقلالية والتفكير النقدي، وقد شهد بداية التكنولوجيا الحديثة. يرى هذا الجيل نفسه وريثًا للأجيال السابقة ومسؤولًا عن إعادة صياغة قواعد اللعبة في ظل تسارع التطور التكنولوجي والعولمة. إن التضخم السكاني وانتشار المعرفة والتكنولوجيا السريعة باتت تحديًا لهم، حيث جعلت العالم الكبير يتحول إلى قرية صغيرة تحكمها المعرفة وسرعة التواصل الاجتماعي.
ظهر بعد ذلك "جيل الألفية" (مواليد 1981-1996)، المعروف بـ"جيل Y"، الذي يميل إلى القيم التقدمية ويسعى للمرونة في العمل والحياة. يتنافس هذا الجيل مع الأجيال السابقة، حيث يواجه تحديات صعبة في ظل الظروف العالمية المعقدة. ومن ثمّ جاء "جيل Z" (مواليد 1997-2010)، الذي يمتاز بالقدرة العالية على التعامل مع التكنولوجيا ووعيه الكبير بالقضايا المجتمعية، وهو جيل يرفض القيود التي فرضتها عليه الأجيال السابقة. يتميز هذا الجيل بمرونة كبيرة وطموح لتحقيق النجاح دون الالتزام بالبُنى التقليدية.
أما "جيل ألفا" (مواليد 2010 وما بعده)، فهو في طور النمو ومرتبط بشكل كبير بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مما ينبئ بتغيرات جذرية في مستقبل المجتمع الأردني.
تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن جيل Z وجيل الألفية يشكلان حوالي 70% من تعداد سكان الأردن، وهما الآن يعيشان تحت سيطرة الأجيال السابقة، في ظل صراع مستمر. تتحالف الأجيال القديمة لتفرض هيمنتها على هذه الأجيال الجديدة، مما يخلق فجوة كبيرة بين متطلبات الجيل الجديد وواقعه. يشعر هذا الجيل بالعزلة والإحباط نتيجة إقصائه من صنع القرار، حيث أظهرت دراسة حديثة أجراها المركز الوطني للبحوث والدراسات الاجتماعية أن التفاوت الاقتصادي والتغيرات التكنولوجية والاختلاف في الأولويات الاجتماعية ساهمت في هذه الفجوة.
على الرغم من طرح العديد من الحلول، مثل تعزيز الحوار بين الأجيال والتكيف مع المتغيرات التكنولوجية وزيادة المشاركة السياسية للشباب، إلا أن هذه الجهود لا تزال محصورة في نطاق الشعارات ولم تتحول إلى واقع ملموس. يُحذر البعض من أن هذا الإحباط قد يتحول إلى حركة شبابية عارمة، وقودها شعور بالعزلة في ظل البطالة المتزايدة والأوضاع المعيشية الصعبة.
في الختام، إن الصراع بين الأجيال في الأردن يعكس تفاعلات عميقة بين التحولات التكنولوجية والديمغرافية، ومع ذلك لا تزال هناك فرصة لبناء مجتمع متكامل ومرن وقادر على مواجهة التحديات المستقبلية. إن الفرصة موجودة لتحقيق التكامل بين الأجيال، بحيث يعمل الجميع معًا لبناء مستقبل مشرق لأردن كبير وقوي.
ودمتم أجيال الأردن الكبير.