الفكر الليبرالي واقتصاد الدول النامية
سامي شريم
16-09-2024 12:27 PM
لم تكن الدول النامية التى سارعت الى الاندماج في الفكر الليبرالي وتطبيق قواعده دون أن تكون مؤهلة لهذه الخطوة تفكر بما ستقول اليه النتائج وقد قاد المرحلة وزراء جدد متعطشون للسلطة وبريق السفر في الدرجة الاولى والاستمتاع بخدمة الخمس نجوم مع ندمائهم السوبر في وزاراتهم فقد كان همهم توقيع الاتفاقيات بغض النظر كما تجلبه من ويلات لبلادهم وشعوبهم فدخلت نفق الليبرلية بدون فرامل ولم تحسب العواقب.
فقد ساهم الفكر الليبرالي في تدمير اقتصاديات الدول النامية عبر تطبيق سياسات اقتصادية تهدف إلى تحرير الأسواق وتقليص دور الدولة. رغم أن الليبرالية تهدف من حيث المبدأ إلى تعزيز النمو الاقتصادي من خلال الخصخصة والانفتاح على الاستثمار الأجنبي، إلا أن هذه السياسات أدت في الواقع إلى نتائج عكسية في العديد من الدول النامية. الخصخصة التي تُعد إحدى أدوات الفكر الليبرالي، أدت إلى بيع مؤسسات الدولة لشركات أجنبية، غالبًا بأسعار زهيدة. هذا التحول قلل من قدرة الحكومات على التحكم في قطاعات حيوية مثل الطاقة والبنية التحتية، وهو ما أدى إلى تراجع الاستثمار في هذه القطاعات وفقدانها لموارد أساسية كانت تُسهم في تنمية الاقتصاد المحلي. إضافةً إلى ذلك الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية والتدفقات المالية الخارجية جعل الدول النامية رهينة للتغيرات الاقتصادية العالمية. عند وقوع أزمات مالية دولية تتأثر تلك الدول بشكل كبير بسبب انسحاب رؤوس الأموال الأجنبية، مما يتسبب في انهيار العملات المحلية وارتفاع معدلات الدين
ومن ناحية أخرى دفعت الليبرالية الدول النامية إلى تبني سياسات تقشفية لتقليل العجز في الميزانية. هذه السياسات شملت تخفيض الإنفاق العام على الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة مما أثر سلبًا على جودة الحياة ورفع من معدلات الفقر والبطالة وبدلاً من تحسين الوضع الاقتصادي زادت هذه السياسات من الفجوة الاجتماعية والاقتصادية حيث استفادت النخب الرأسمالية من تحرير الأسواق بينما عانى الفقراء من تدهور ظروفهم المعيشية فالتجارة الحرة هي أحد أعمدة الفكر الليبرالي التي فتحت الأسواق جالمحلية أمام المنتجات الأجنبية والتي غالبًا ما تكون مدعومة ومنتجة بتكلفة أقل ما أدى إلى إغراق الأسواق بالسلع المستوردة وتدمير الصناعات المحلية التي لا تستطيع المنافسة. هذا الأمر تسبب في زيادة الاعتماد على الاستيراد وتفاقم العجز في الميزان التجاري.
كذلك، لم يراع الفكر الليبرالي مسألة توزيع الثروة بعد النمو الاقتصادي. في الدول النامية فقد أدى تبني هذا النهج إلى زيادة التفاوت بين الأغنياء والفقراء. فبينما استفاد المستثمرون المحليون والأجانب من هذه السياسات ازدادت معاناة غالبية السكان الذين لم يحصلوا على أي فوائد ملموسة من هذا النمو بل تعرضوا لمزيد من التهميش الاقتصادي هذه التغيرات ساهمت في زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي في العديد من الدول النامية حيث زادت الاحتجاجات والاضطرابات نتيجة شعور الناس بالإقصاء وفقدان العدالة في توزيع الثروة.
في المجمل، على الرغم من أن الفكر الليبرالي قد نجح في بعض الدول المتقدمة، إلا أن تطبيقه في الدول النامية دون مراعاة خصوصياتها أدى إلى نتائج كارثية الخصخصة غير المنضبطة والاعتماد على التدفقات المالية الخارجية والتبعية الاقتصادية للدول الكبرى كلها عوامل ساهمت في تدمير الاقتصاديات المحلية مما فرض احتياج الدول النامية إلى تبني سياسات اقتصادية تراعي حاجاتها الفعلية وتعمل على تحقيق تنمية مستدامة بدلاً من الاعتماد الأعمى على الفكر الليبرالي ومبادئه الاقتصادية.
ما يعني أن هذه الدول غدت في حاجة ماسة إلى اصلاح ما دمرته هذه السياسات وابعاد شخوص الليبرالية عن المشهد والاستعانة بالمحافظين ودعاة الاقتصاد المخطط المنضبط لوضع الحصان أمام الغربة وليس العكس