ملفات تشريعية أمام رئيس الوزراء المكلف
د. أشرف الراعي
16-09-2024 12:25 PM
يتولى د. جعفر حسان، المدير السابق لمكتب جلالة الملك ووزير التخطيط الأسبق، مقاليد "رئاسة الرابع"، بعد استحقاق دستوري يأتي في أعقاب انتخاب مجلس نواب جديد، ومرحلة جديدة يشهدها الأردن، الذي يعيش منذ نحو 5 سنوات وحتى اليوم أزمات طاحنة اقتصادياً وسياسياً، عبرتها حكومة د. بشر الخصاونة، وإن كان هناك بعض المآخذ والانتقادات، إلا أن "الحكومة الراحلة" على الأقل سكنت الوجع في بعض المفاصل، لا سيما وأن الأردن تأثر كثيراً (اقتصادياً على الأكثر) خلال أزمة كورونا، وما تلتها من وقائع، وأحداث سياسية، واجتماعية عاشتها الحكومة وواجهت فيها انتقادات كبيرة من جهة، ومدحاً من جهة أخرى من أطياف مجتمعية أخرى.
وعلى أية حال يأتي د. حسان، رئيس الوزراء المكلف، في ظروف ليست أفضل بكثير؛ فالحرب في قطاع غزة ما تزال مشتعلة، ووطننا اليوم بحاجة إلى معالجة اختلالات في علاقاته مع الجوار من جهة، ومواجهة الأطماع من جهة أخرى، والحفاظ على المخزون الشعبي – وإن كان بسيطاً – من ثقة الناس بالحكومة ورئيسها القادم أصلاً من بيت الأردنيين.. هذا البيت الذي يعرف تماماً أكثر من أي حكومة أتت وستأتي المزاج الشعبي الأردني، وهي ميزة إضافية تضاف إلى الخبرات الكبيرة التي يتمتع بها د. جعفر حسان والتي يمكن من خلالها أن يقرأ الواقع الأردني بدقة ويحدد متطلبات المرحلة المقبلة من دون أي تعقيدات.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هناك العديد من الملفات التشريعية التي يجب على رئيس الوزراء المكلف اليوم أن ينظرها بعين الاعتبار، أبرزها وأهمها على الإطلاق التشريعات المتعلقة بالشق الاقتصادي من حياة الناس، لا سيما في ظل ارتفاع نسب الفقر والبطالة، وتشغيل الشباب، وعدم الاكتفاء بالوعود، واستثمار الطاقات الوطنية عبر منظومة تشريعية تربط التعليم بالتوظيف، مع تنمية الجانب المهاراتي للشباب المتطلع إلى فرص أكبر واستقطاب رؤوس الأموال وتشجيع الاستثمار، والاطلاع على التجارب الناجحة في هذا السياق لا سيما تجارب دول الخليج العربي التي اعتمدت على الاستثمار في الأساس.
كما أن هناك العديد من الملفات التشريعية الأخرى، لا سيما ما يتعلق منها بالقوانين الجزائية؛ كقانون الجرائم الإلكترونية وقانون هيئة مكافحة الفساد وقانون حماية وثائق وأسرار الدولة وقانون المطبوعات والنشر وقانون نقابة الصحفيين الأردنيين، إلى جانب قانون العقوبات الأردني.. كلها تحتاج إلى إعادة مراجعة بما يتناسب مع الواقع الاجتماعي الذي يعيشه المجتمع الأردني من جهة، والتطورات الحاصلة في آليات التواصل بين الناس من جهة أخرى وضمان تعزيز الحريات المسؤولة التي تحمي المجتمع وتحافظ عليه، من دون الخروج على القواعد الناظمة للحريات والمقررة بموجب الدستور.
كما أن من الملفات التشريعية المهمة التي يتعين على رئيس الوزراء المكلف النظر فيها أيضاً قانون اللامركزية؛ لتعزيز مشاركة المواطنين في صنع القرار على المستوى المحلي وتحسين تقديم الخدمات في المحافظات، وقانون الضريبة، لإعادة النظر في النظام الضريبي بما يحقق العدالة الاجتماعية ويحفز النمو الاقتصادي دون إثقال كاهل المواطنين، وقانون العمل لمواكبة التغيرات في سوق العمل وحماية حقوق العمال، مع التركيز على تحسين ظروف العمل وتشجيع التوظيف، وقانون حماية البيئة لمواجهة التحديات البيئية المتزايدة وتعزيز الاستدامة في استخدام الموارد الطبيعية، فضلا عن قانون التعليم العالي وبما يسهم في تطوير منظومة التعليم العالي بما يتناسب مع متطلبات سوق العمل ويعزز من جودة التعليم.
إن التحدي الأكبر أمام رئيس الوزراء المكلف اليوم لن يكون فقط في سن هذه التشريعات أو تعديلها، بل في ضمان تنفيذها بشكل فعال؛ فالثقة بين المواطن والحكومة تتطلب رؤية إصلاحية شاملة تترجم على أرض الواقع من خلال سياسات وإجراءات ملموسة، ومن المهم أن تتبنى الحكومة الجديدة نهجا تشاركيا في صياغة هذه التشريعات، من خلال إشراك مختلف أطياف المجتمع المدني والقطاع الخاص والخبراء في عملية صنع القرار، وبما يعزز من الشفافية ويبني جسور الثقة بين الحكومة والمواطنين.
الفريق المنتظر لحكومة د. حسان عليه مسؤوليات جسام في دراسة القوانين - كلٌ في قطاعه - من أجل تحقيق التوازن بين متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة، والحفاظ على الأمن والاستقرار من جهة أخرى، وهذا يتطلب رؤية استراتيجية واضحة وقدرة على اتخاذ قرارات ضرورية لمستقبل الأردن؛ فالمرحلة القادمة ستكون حاسمة في تحديد مسار الأردن نحو مستقبل أكثر ازدهارا واستقرارا، وستكون التشريعات والقوانين هي الأداة الرئيسية لتحقيق هذا التطور المنشود... حمى الله الأردن.