دائما ما إن اقرأ مقالات أو أسمع تصريحات عن رفض عربي للتعاطي مع الغرب بستى المناحي ، إن كان ثقافيا أو أمنيا_عسكريا أو اقتصاديا ، اسأل نفسي هذا السؤال " هل هذا غباء أو تغابيّ؟"
أعشق لغتي العربيّة ، متيّم بهذه الارض ، أحبّ ثقافاتنا العربية المختلفة ، لكنّي في ذات الوقت لا استطيع إلّا أن اعترف بعجزنا عن الاكتفاء بكل أشكاله ، فحتى اعواد الثقاب ، قد لا نقوى على تصنيعها بمفردنا، و لا زلنا نغوص في بحر الجهل و التجهيل.
هذا العجز لم يتولّد اليوم ، أو البارحة ، هو نتاج لهدم ثقافي و تسطيح علمي ، و محددات دينية و اجتماعية وُضعت أمام كل من يُفكر ، هي نتاج فساد متراكم جعل الدخل أهم من الابداع ، لذلك يفضّل المبدع أن يسافر إلى حيث يبدع بتخمة لا ببطون خاوية.
التغابي الذي يقوم به البعض السياسيين الذين يدلون بتصريحات عن رفض للتعامل العسكري مع الغرب ، أو رفض لبناء قواعد عسكرية ، و ربط الاسباب بالوضع الاقتصادي ، هل الاوضاع الاقتصادية في الدوحة هي من أجبرت قطر على التكلف ببناء أكبر قاعدة أمريكية في العالم؟ .
العلاقات الدبلوماسية لا تبنى هكذا ، لا تُبنى بالرفض ، فالذكي وحده من يقترب من صديقه خطوة و من عدوهّ مئة خطوة ، الشعارات و التصريحات التي يدلي بها السياسين ، خصوصا تلك الحالمة ما هي إلا مسرحيات مستهلكة لا أكثر !..
يجب أن نكون واقعيين ، أن نعترف بأنّ عالمنا العربي ليس كروسيا و الصين ، ليس قوة عظمى تستطيع الانعزال و الاكتفاء ببساطة ، هذا الاعتراف يجب أن يقلب أوراقنا المستهلكة و يجعلنا نقرأ المشهد قراءة أخرى بعيدا عن سياسة التكفير و الوعيد المتّبعة.
في طفولتنا ، عندما كنا نجلس و ننظر إلى السماء في الليل ، قيل لنا " تجنّبوا عدّ النحوم ، لكي لا تُرشم اجسادكم بالبثور ، ذات الطفل الذي يولد في الغرب ، قد يُهدى منظارا للنظر إلى السماء ، فما بين البثور و المنظار انهرنا ، نحن نضع اسوار حول كل شيء ، حتى الموسيقى باتت في عالمنا العرب مدعاة توبة ، من يبتعد عنها يوصف "بالتائب" ..
شرقنا ذكي حقا ، نحن أصحاب الفكر ، انظروا لكل بقعة شرقية تأنّ ، راقبوا الناس كيف تصنع في ظل الحروب حياة ، كيف تبدع و تكتشف ، العباقرة خرجوا من شرقنا ، و ابدعوا فيه ، و حوربوا به..
لا أكتب هذا المقال للاحباط ، لكنّي أشعر بالأسى عندما اقرأ تصريحات لسياسي يطالب مثلا بقطع العلاقات مع الغرب ، حوارات عن رفض للقواعد العسكرية ، أنا هنا لست مشرّعا للغرب ، أو مستحضرا للناتو كما فعل من دمّروا الاوطان بالمخدّرات الكلامية ، بل أحاول أن اكون واقعيا و موضوعيا ، نحن لم نثر على العقل ، و انحصرت ثوراتنا في السياسة و الكراسي ، بينما الربيع الفكري العربي لم يحدث ، و من الواضح لن يحدث قريبا.