من حق الحكومة أن تسعد بما شهده التصنيف الائتماني للمملكة من ارتفاع.
فهذه بالنهاية شهادة دولية محايدة باستقرار واستدامة المشهد المالي في المملكة.
ومما لا شك فيه أن الفريق الاقتصادي الحالي لعب دورا مهما خلال السنوات الماضية في بناء هذا الاستقرار وتلك الاستدامة.
ولكن الأمانة في الطرح تقتضي أيضا استذكار أهم الإصلاحات الاقتصادية التي قادت لهذا الإنجاز.
وعندما نتحدث عن الإصلاحات الاقتصادية في الأردن، يتصدر القائمة ما بات غائبا تماما عن ذاكرة الناس وأقلام الكتاب والمحللين.
فأول الإصلاحات وأكبرها وأصعبها كان رفع الدعم عن المحروقات عام 2012. هذا الإصلاح الذي وفر على الخزينة 800 مليون دينار حينها، وأفسح المجال لإعادة توجيه جزء من هذا المبلغ نحو الإنفاق الرأسمالي.
ولو بقي دعم المحروقات، لكانت الفاتورة تجاوزت اليوم 1.2 مليار دينار سنويا، ولكان من الصعب القيام بمعالجتها، ولما كان من الممكن تحقيق أي تحسن على تصنيفنا الائتماني.
إصلاح آخر مهم طواه النسيان هو قانون ضريبة الدخل للعام 2018، والذي لولا إقراره بصيغة قبلها صندوق النقد الدولي، لما كان هناك برنامج مع الصندوق أساسا، ولما كان هناك برنامج للإصلاحات من عين أصله.
القانون وفر مئات ملايين الدنانير من الإيرادات الإضافية للخزينة، ووفر البنية القانونية المطلوبة لمواجهة التهرب الضريبي، رغم ما ورد فيه من نقاط خلافية وتشدد غير حميد في بعض البنود.
وليس مبالغة الادعاء بأن المحروقات وضريبة الدخل هما الإصلاحان الأكبر أثرا على المستوى المالي والاقتصادي منذ إعادة إطلاق برامج الأردن مع صندوق النقد الدولي عام 2013.
مقارنة بهذا الاستعراض التاريخي للإصلاحات، يبدو الخطاب الإعلامي الحالي خاليا من تقدير الجهد التراكمي للحكومات السابقة. وهو بذلك يتجاهل (متعمدا أو بغير عمد) جميع ما سبق ذكره من إجراءات، رغم صعوبتها وقسوتها، والظرف المعقد الذي صاحبها.
وتحت مسميات "السياسات الحصيفة" و"الالتزام بالإصلاح" و"الأداء المتميز لكوادر الوزارات" و"توسيع القاعدة الضريبية"، يغيب الحديث عن الإصلاحات الرئيسية التي وفرت مليارات الدنانير على الخزينة والاقتصاد، لتصبح مبنية للمجهول.
لماذا لا نبرز إنجازنا بشكل تراكمي ومنصف؟ وكيف نقنع الناس مستقبلا بإصلاحات صعبة دون أن نبرز ما حققته سابقا مثل هذه الإجراءات؟ ولماذا لا نبرز مع الإنجاز الصعاب التي واجهناها لتحقيقه؟
هذا هو قدر الإصلاح. كلفة مرتفعة ونقد على المدى القصير، وفوائد كثيرة تخونها الذاكرة على المدى الطويل.
هذا المقال تذكير بهذه الإصلاحات، وتذكير بأن العمل الاستراتيجي على المديين المتوسط والطويل يؤتي ثماره، وهو ما يجب إبرازه للرأي العام.
ذلك أفضل من الحديث عن إنجازات شعبوية مثل التوقف عن فرض ضرائب جديدة وزيادة التحصيل، لنعود خطوة إلى الوراء عبر ضرائب جديدة على سيارات الكهرباء.