نزاهة الانتخابات ساهمت بفوز العمل الاسلامي
أ.د تركي الفواز
14-09-2024 04:17 PM
في خضم التنافس السياسي الشديد في الأردن، برزت جبهة العمل الإسلامي كقوة سياسية مؤثرة، قادرة على تحقيق مكاسب مهمة في الانتخابات، مستفيدة من عوامل متعددة ساعدتها على تعزيز مكانتها وتوسيع نفوذها، فقد استطاعت الجبهة أن تبني لنفسها موقعاً مميزاً من خلال توظيف تاريخ طويل من العمل السياسي والاجتماعي، والاستفادة من مناخ سياسي سمح لها بالتوسع منذ الخمسينيات، حيث كانت من بين القلائل الذين تمكنوا من العمل العلني بينما تعرضت الأحزاب الأخرى للحظر، هذا المزيج من العوامل التاريخية، إلى جانب هيكلها المؤسسي المحكم ودعمها المالي الواسع، قد منحها قدرة على التحرك بفعالية واستقلالية، كما أن القبول الشعبي لخطابها الديني وبرامجها الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى مرونتها السياسية، ومهارتها في الاستفادة من ضعف الأحزاب المنافسة، كل ذلك مكّن الجبهة من تحقيق نتائج مميزة وتقدم ملحوظ في الانتخابات النيابية الحالية، فقد شهدت الانتخابات النيابية الحالية في الأردن حدثًا بارزًا تمثل في فوز الحركة الإسلامية، والتي يمثّلها جبهة العمل الإسلامي، بعدد 31 مقعدًا، أي بنسبة 22% من أعضاء المجلس النيابي 2024، هذا الفوز يعكس مجموعة من الدلالات المهمة، ويثير العديد من التساؤلات حول التبعات المستقبلية على الصعيدين السياسي والاجتماعي في المملكة، فقد يعكس ذلك فوز الحركة الإسلامية في الانتخابات النيابية الى رد فعل شعبي تجاه الأحزاب التقليدية والحكومة،حيث تعاني العديد من الأسر الأردنية من تحديات اقتصادية متزايدة مثل ارتفاع نسب البطالة، وغلاء المعيشة، وضعف الخدمات العامة، في هذا السياق، يعتبر الكثير من الناخبين أن الحركة الإسلامية تمثل بديلاً للتيارات السياسية (النخب السياسية) ، التي يرون أنها لم تحقق الوعود التي قطعتها على نفسها في السابق، ولم تتمكن من تحسين الوضع الاقتصادي أو المعيشي للمواطنين،ان التصويت لصالح الجبهة يمكن أن يُفهم على أنه تصويت احتجاجي ضد الحكومة والأحزاب التقليدية، يعبر عن رغبة في استبدال الوجوه السياسية القديمة بأخرى جديدة،فقد يعتبر ذلك تصويت عقابي للنخب السياسية (السخط الشعبي )، ويظهر هذا الفوز استمرارية وتأثير الحركة الإسلامية في المشهد السياسي الأردني، على الرغم من التحديات التي واجهتها خلال السنوات الماضية،فقد تمكنت الحركة من الحفاظ على قاعدتها الشعبية، بل وزادت من تواجدها في بعض المناطق فمثلاً ( لاول مرة على مستوى الانتخابات النيابية في الاردن، فقد افرزت الانتخابات النيابية الحالية نائب عن جبهة العمل الاسلامي في دائرة بدو الشمال !!! ،فهذا يعكس مرونة الحركة الإسلامية في التكيف مع الظروف السياسية المتغيرة، مع احترام القواعد الدستورية والقانونية.
وقد يعزى ذلك ايضاً الى استثمار الأزمة الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الأردن من قبل الجبهة، فقد ركزت حملاتها الانتخابية على القضايا التي تهم المواطن بشكل مباشر، مثل محاربة الفساد، تحسين الخدمات العامة، خلق فرص عمل، وخفض كلفة المعيشة، مع وجود حالة الاستياء الشعبي من الأداء الحكومي، فقد ساعدها استثمار ذلك لصالحها،فقد قدمت نفسها كبديل قادرعلى تقديم حلول حقيقية للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد. وعي الجبهة بمواكبة التطورات التقنية في وسائل التواصل الاجتماعي والاستفادة منها في المشهد السياسي، فقد تم استثمارها وتوظفيها من اجل الوصول الى اكبر شريحة واسعة من الشباب الذين يبحثون عن التغيير، فقد كان لهذا دور كبير في تحقيقها لهذا الفوز، نتفق بان فوز جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات النيابية الحالية كان نتيجة لهذه العوامل ،لكن لا يمكن إغفال أن النزاهة والشفافية في إدارة الانتخابات كان لهما تأثير كبير على تحقيق هذا الفوز.
من وجهة نظري الخاصة ان العامل الحاسم في فوز جبهة العمل الإسلامي بالانتخابات النيابية الحالية يعزى الى النزاهة والشفافية في إدارة العملية الانتخابية، حيث تعتبر نزاهة وشفافية الانتخابات من العوامل الأساسية لضمان ممارسة ديمقراطية فعالة، فعندما يثق الناخبون في نزاهة العملية الانتخابية، يزداد إقبالهم على المشاركة بفعالية في الانتخابات، ففي الانتخابات الأخيرة، ساهمت النزاهة في زيادة نسبة المشاركة، مما دعم فوز جبهة العمل الإسلامي، كما أن الشفافية عززت من مصداقية العملية الانتخابية، مما جعل النتائج أكثر قبولاً من قبل جميع الأطراف المعنية، فقد قامت الهيئة المستقلة للانتخابات في الأردن بإدارة العملية الانتخابية بأكملها، بدءاً من تسجيل الناخبين وتنظيم الحملات الانتخابية وصولاً إلى عملية التصويت وفرز الأصوات، فشهدنا كيف عملت الهيئة في الانتخابات الحالية بجد لضمان تحقيق أعلى مستويات النزاهة والشفافية،فقد تم استقطاب مراقبين محليين ودوليين لمراقبة سير العملية الانتخابية، مما ساهم في تعزيز مصداقية الانتخابات، بالإضافة إلى ذلك فقد تم نشر تقارير دورية حول سير العملية الانتخابية، مما أتاح للمواطنين الاطلاع على المعلومات اللازمة وتعزيز ثقتهم في النتائج النهائية.
يعد فوز الحركة الإسلامية في الانتخابات النيابية الأردنية حدثاً مفصلياً قد يساهم في تشكيل ملامح المرحلة المقبلة في البلاد، هذا الفوز لا يعبر فقط عن تحول في المزاج العام، بل يعكس أيضًا تحولات اجتماعية واقتصادية مهمة في الأردن، السؤال المطروح الآن هو كيف ستتمكن الحركة الإسلامية من ترجمة هذا الفوز إلى سياسات فعلية تحقق من خلالها طموحات الناخبين؟ وهل ستتمكن من التعاون مع الأطراف الأخرى لضمان استقرار الأردن السياسي والاجتماعي أم ستتجه إلى تصعيد المواجهة مع الحكومة؟ الأيام المقبلة ستكشف الكثير عن مستقبل المشهد السياسي الأردني في ظل هذا التطور الجديد، إن نزاهة وشفافية إدارة العملية الانتخابية في الأردن لعبت دوراً حاسماً في تحقيق الفوز الساحق لجبهة العمل الإسلامي في الانتخابات النيابية الحالية، من خلال تعزيز ثقة المواطنين في النظام السياسي وضمان تحقيق العدالة في العملية الانتخابية، يبقى الحفاظ على هذه المعايير أمراً مهماً لتعزيز التنمية المستدامة في المستقبل.