"التَغَيُر" بصمت و "التغيير" بضجيج
محمود الدباس - ابو الليث
13-09-2024 02:10 PM
في الحديث عن الفرق بين "التغيير" و"التَغَيُر".. نجد أن كلا المفهومين يحملان أهمية كبيرة في مسار تطور المجتمعات.. "التغيير" هو عملية واعية ومقصودة تتطلب قرارات وإجراءات تُتخذ بقصد إحداث تحولات في النظام السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، بينما "التَغَيُر" هو حالة طبيعية.. تحدث بشكل تدريجي دون تدخل مباشر.. ويتشكل كنتيجة لعوامل الزمن.. والتفاعل مع البيئة المحيطة، فالتَغَيُر يحدث تلقائياً في مجرى الأحداث.. بينما التغيير يُفرض أو يُخطط له ليُحدث تغييراً ملموساً ومقصوداً..
لنأخذ الأردن كمثال على هذين المفهومين في سياق الواقع السياسي.. فعندما تسعى الدولة إلى تعزيز دور الأحزاب السياسية في الحياة العامة عبر تشريعات جديدة تدعم تأسيس الأحزاب والمشاركة الشعبية.. فهذا يعد "تغييراً" لأن الحكومة اتخذت قرارات واضحة.. وأصدرت قوانين بهدف إحداث تحول في المشهد السياسي.. هنا نرى أن التغيير مدفوع بقوة إرادية من السلطة بهدف توجيه المجتمع نحو مسار سياسي مختلف.. ولكنه في جوهره جبريٌ إلى حد ما.. حيث يتم تطبيقه من خلال قوانين ملزمة..
لكن السؤال الأهم هو.. هل سيؤدي هذا التغيير إلى تَغَيُر حقيقي في العقليات السياسية والاجتماعية؟!.. أي.. هل ستتطور نظرة المواطنين.. وأجهزة الدولة المختلفة.. نحو الأحزاب السياسية.. وتصبح جزءاً من ثقافة المجتمع؟!..
هنا يأتي دور "التَغَيُر" الذي يجب أن يحدث تدريجياً.. ومن داخل المجتمع.. فالتَغَيُر الحقيقي يحتاج إلى وقت.. وتفاعل طبيعي بين الأفراد والأحزاب.. وهو ما لا يمكن فرضه بنفس الأسلوب الذي يتم فيه فرض القوانين..
ومن هنا.. ننتقل إلى مثال آخر في المجال الاجتماعي.. فعلى سبيل المثال.. التَغَيُر في أدوار المرأة في المجتمع الأردني.. قد حدث تدريجياً مع الوقت.. نتيجة لتراكمات ثقافية واجتماعية.. ولم يكن مرتبطاً بقرار حكومي أو قانون معين.. بل جاء نتيجة لتفاعل الزمن مع تطور التعليم والوعي المجتمعي.. هذا هو "التَغَيُر".. الذي يحدث بشكل طبيعي دون تدخل مباشر..
أما في الجانب الاقتصادي.. فإن فرض السياسات الاقتصادية الجديدة لتحفيز الاستثمار.. مثل تقديم حوافز مالية.. وخفض الضرائب لجذب المستثمرين.. هو شكل من "التغيير".. حيث يتم توجيه الاقتصاد نحو اتجاه معين بقرارات حكومية.. ولكن التحول في سلوك المستثمرين.. ونظرتهم للسوق الأردني.. وكذلك نظرة المواطن واجهزة الدولة للمستثمرين.. بانهم شركاء في التنمية.. وليسوا اعداءا.. هو "تَغَيُر" يتطلب وقتاً لينعكس في أرقام النمو والتوظيف.. وهذا لا يمكن تحقيقه بسرعة.. أو بقوة القانون وحدها.. بل يحتاج إلى تغير في المناخ الاستثماري نفسه مع مرور الزمن..
إذاً.. يمكن القول إن "التغيير" هو القوة المحركة التي تبدأ العملية.. بينما "التَغَيُر" هو النتيجة الطبيعية التي تأتي تدريجياً بفعل الزمن.. والتفاعل مع الأحداث.. ولتحقيق التقدم الحقيقي في أي مجتمع.. لابد أن يتكامل التغيير الجبريّ.. والمدفوع بالإرادة.. مع التَغَيُر الطبيعي.. والنابع من وعي الأفراد..
خلاصة القول.. النجاح يكمن في القدرة على تحقيق توازن بين "التغيير" الذي يقوده القانون.. أو السياسات العامة.. و"التَغَيُر" الذي ينبع من الذات.. ومن طبيعة المجتمع.. هذا التكامل هو ما يضمن استمرارية التقدم.. وتجنب التراجع.. فالتحولات العميقة.. لا تأتي بين ليلة وضحاها.. بل تحتاج إلى الوقت.. والإرادة الشعبية.. لتحقيق "التَغَيُر" الذي يدوم..