في عالم اليوم الذي يشهد تعقيدات متزايدة وتحديات ضخمة، لم يعد بإمكان الحكومات الاعتماد على الهياكل التقليدية والسلطة المركزية لمعالجة تلك التحديات بمفردها. بات نموذج "الحكومة المختلطة" ضرورة ملحة كإطار مبتكر وفعّال للتعامل مع هذه التحديات المعاصرة. يتميز هذا النموذج بالتعاون الوثيق بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، مما يتيح تحسين الأداء الحكومي وتعزيز الاستجابة السريعة للقضايا المتنوعة.

نموذج "الحكومة المختلطة" يعتمد على تبادل الخبرات والمعرفة بين مختلف القطاعات، الأمر الذي يعزز من قدرة الحكومات على التكيف مع الأزمات المعقدة والتغييرات المتسارعة. يتيح هذا التعاون بين الجهات الحكومية والشركاء الخارجيين تقديم حلول مبتكرة وفعّالة للقضايا الملحة مثل تغير المناخ، الأمن السيبراني، والأزمات الصحية، حيث تتطلب هذه التحديات جهودًا مشتركة متعددة الجوانب لتحقيق نتائج مستدامة.

في كتاب "بناة الجسور" ذي الفكر والطرح المستجد، للكاتبين "ويليام د. إيغرز ودونالد ف. كيتل"، يتم تناول نموذج "الحكومة المختلطة" كوسيلة لتجاوز الهياكل التقليدية الجامدة والتوجه نحو شراكة فعالة تُسهم في تجاوز العوائق البيروقراطية. يُظهر الكتاب كيف أن التعاون بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى المجتمع المدني، يمكن أن يسهم في بناء جسور تواصل تساعد في معالجة القضايا الكبرى بشكل أكثر فعالية.

أثبتت التجارب العالمية أن الشراكة الفعّالة بين القطاعين الحكومي والخاص تحقق نتائج ملموسة. على سبيل المثال، تجربة إعصار كاترينا في الولايات المتحدة أظهرت كيف يمكن للتعاون بين الجهات المختلفة أن يُسهم في الاستجابة السريعة والفعّالة للكوارث. كذلك، في مجال الصحة العامة، أسهم التعاون بين الحكومات والمنظمات الخاصة والمؤسسات الصحية في تحقيق نجاحات هامة، مثل الحملة العالمية لمكافحة الملاريا.

إلى جانب ذلك، أصبح من الضروري للحكومات تعزيز الثقة بينها وبين المواطنين، وأيضًا بينها وبين القطاع الخاص. تحقيق هذه الثقة يعتمد على تقديم خدمات حكومية شفافة وفعالة، مما يزيد من رضا المواطنين ويعزز من مصداقية المؤسسات الحكومية. يُعد استخدام البيانات عنصرًا أساسيًا في هذا السياق، حيث يمكن أن تُستخدم كأداة لقياس الأداء وتوجيه السياسات بطرق دقيقة وفعالة.

في النهاية، يُظهر نموذج "الحكومة المختلطة" أنه الحل الأمثل لبناء حكومات المستقبل القادرة على مواجهة التحديات المتزايدة بفعالية. من خلال التركيز على التعاون والشراكة مع مختلف القطاعات، وتعزيز الثقة والشفافية، يمكن للحكومات تحقيق نتائج ملموسة تساهم في تحسين رفاهية المواطنين وتعزيز ثقتهم في المؤسسات.

*صالح سليم الحموري/ خبير التدريب والتطوير/ كلية محمد بن راشد للادارة الحكومية.