الانتخابات .. لمن الفوز؟!
محمد حسن التل
12-09-2024 03:08 PM
انقشع غبار معركة انتخابات مجلس النواب العشرين، ورفعت الصحف وتوقفت الأقلام عن التحليل والتوقعات، وعرف من كان يركب حصانا ومن كان يركب حمارا !! "كما يقول الشاعر "، الفائز الأول فيما جرى الدولة الأردنية ، حيث أكدت أنها دولة لكل الأردنيين، فلا مجال للمزاودة ولا مجال للتشكيك، حيث تركت الأردنيين يمارسون قناعاتهم كما يريدون، وكان يوم الثلاثاء الكبير تتويجا لجهود الملك عبد الله الثاني على مدار ربع قرن من الزمان وهو يدفع إلى التغيير والتحديث وقدم عشرات المبادرات والأفكار على رأسها الأوراق النقاشية ، وظل مصر على التحديث والتغيير ، وكان إجراء الانتخابات النيابية الأخيرة محطة من محطات التغيير والتحديث اللتان أرادهما الملك.
الدولة كانت خلال الأيام الماضية كما هي دائما لكل الأردنيين، ووقفت على الحياد وعملت على أن يمارس الأردنيون حقهم الدستوري بكل أريحية وشفافية، وقدمت كل التسهيلات على مستوى المرشحين والناخبين، وسخرت كل أذرعتها الإدارية واللوجستية والأمنية للهيئة المستقلة للانتخاب لحماية الأردنيين أثناء ممارستهم لحقهم الدستوري وإنجاح هذا الاستحقاق.
انتهى الماراثون لصالح الأردن والأردنيين وقد أصر الملك على إجراء الانتخابات للتأكيد على ثبات الدولة الأردنية ورسوخها في ظروف إقليمية ودولية معقدة لا تقدر على التعامل معها دول كثيرة ، وكل الذي كان يقال لغوا أن الظروف المحيطة تهدد أمن الأردن واستقراره اتضح أنه من سقط الكلام ، وأن الأردن علامة مميزة ليس فقط في الإقليم بل في العالم كله رغم كل الظروف الصعبة التي يتعامل معها ، هذا على مستوى الدولة ، أما على مستوى النتائج فقد اتضح أن الأردنيين لا زالوا بحاجة إلى جهد كبير لإقناعهم بالمشاركة في الانتخابات بنسب أعلى ليكونوا شركاء في القرار ومسيرة التحديث بشكل عام ، وبلا شك أن الانتخابات الأخيرة ستشكل دافعا قويا لهم لإعادة النظر في الامتناع عن المشاركة في المرات القادمة ، حيث ثبت للجميع أن قرار الدولة مضى في جعل الانتخابات على اختلاف أنواعها تمتاز بالنزاهة والشفافية ، وأن ما يدخل في الصندوق هو ذاته الذي يظهر على لوحات الفرز.
أما بالنسبة للتجربة الحزبية التي جرت الانتخابات على أساسها ، لا يجوز أن نحكم على نجاحها أو فشلها في هذه المحطة ، فالأحزاب لم يمض على تأسيسها إلا القليل من الزمن وهي لا زالت في بداية الطريق حتى تتجذر في المجتمع وتقنع الناس بأفكارها وبرامجها ، وما أظهرته نتيجة الانتخابات ليس سيئا للأحزاب الجديدة مقابل حزب يعمل في الشارع منذ ثمانين عاما ، ولكن من الضروري لهذه الأحزاب أن تعيد النظر بخطابها الموجه للأردنيين وتبتعد عن التنظير وتقديم أفكار مكرورة ، وتجترح طرقا أكثر فعالية في اجتذاب المنتسبين بعيدا عن أسلوب الفزعة ، وتجميع الهويات مما هب ودب للاستعراض بأعداد منتسبيها ، ولا تحسب نفسها إلا على الشارع الأردني فهو الذي يحسم الأمر في النهاية ، ولا يحق لأي حزب أن يروج أنه الأقرب للدولة ، فهذا اسقطته نتائج الانتخابات ، حيث أثبتت أن الدولة للجميع ، وأن الدولة لا تميز بين أبنائها ، وأن ضمانة الملك بأن تجري عملية التحديث دون عوائق تحققت بشكل كامل ، وقد صدق الملك وعده كما تعود على ذلك الأردنيون.
بخصوص فوز جبهة العمل الإسلامي الواجهة السياسية للإخوان المسلمين ، لعبت عدة عوامل في تحقيق هذا الفوز الكبير أولها أن الأردنيين بطبيعتهم محافظين ومتدينين ، فكثير من الأصوات التي صبت لمرشحي جبهة العمل الإسلامي كانت من باب أنهم أقرب إلى التدين ، وهذا أمر أبدع الإخوان المسلمون في الاستفادة منه ناهيك إلى المنحازين لفكر الأخوان كما أن الإخوان اتصالهم مع الناس ليس موسميا بل مستمر ودائم وهذا يجب أن يكون درسا للأحزاب الجديدة بأن تكون على اتصال مع الناس على الأرض ، لتتجذر في عقولهم وتوجهاتهم وهذا ليس مستحيلا ، العامل المهم في فوز الإخوان هو الاعتداء الإسرائيلي على غزة وقربهم من حماس ، حيث استفاد الإخوان من هذا الأمر بشكل كبير لصالحهم في الانتخابات وهذا في العمل السياسي ليس عيبا ، فحتى في الانتخابات الأمربكية يستغل المرشحون الأحداث السياسية أثناء الحملة الانتخابية ، وزاد على هذا الحملة التي شنها الكتبة وأشباه المحللين المتحولين سياسيا على المقاومة الفلسطينية ومطالبتهم بابتعاد الأردن عما يحدث في غزة بحجة الحفاظ على استقرار البلاد ، الأمر الذي جعل الأردنيين يعتقدون أن الأخوان وحدهم الذين يدافعون عن فلسطين.. مع أن الدولة ظلت على موقفها إلى جانب الشعب الفلسطيني وصعدت من موقفها وخطابها الأمر الذي حشر إسرائيل في الزاوية الصعبة كذلك تصاعد التعاطف الشعبي الأردني مع الأهل في غزة والضفه ، وهذه الآراء المشوهة استفزت الناس وزادتهم قربا من الإسلاميين ، وباعتقادي أن حجما كبيرا من أصوات الجبهة كان بسبب هذه هذه الدعوات المشبوهة.
عامل آخر زاد من حصة الإخوان في المقاعد أن الكثير ممن يمارسون الحرد من الدولة صوتوا للإخوان ظنا منهم أنهم يناكفون الدولة.
في المجمل خاض الأردنيون ماراثون الانتخابات ووثقوا مواقفهم بأصواتهم وأثبتوا أن الأردن دولة متحضرة وراسخة لا تتاثر بالعواصف والأمواج مهما كانت صعبة.
الانتخابات الأخيرة ليست نهاية الطريق بل هي بدايته لا سيما أن القانون حدد أنه في كل دورة لمجلس النواب سيرتفع عدد المقاعد الحزبية بالتدرج حتى نصل إلى مجلس نواب حزبي وحكومة برلمانية.
ملاحظة أخيرة ، اليسار المهزوم في الانتخابات الذي رفضه الشارع في هجومه على الإخوان يحاول المس بالإسلام نفسه ، فأحدهم بانتقاده للإخوان يقول أنهم رجال جوامع في نظرة تصغيرية للمسجد وهذه عادة هؤلاء الذين يحملون فشلهم لغيرهم، ولينتبهوا أثناء هجومهم على الإخوان أن ينزلقوا إلى الإساءة للإسلام ،ويروج هؤلاء أن الإخوان يقدمون في كل مرة شخصيات غير معروفة في ميدان العمل السياسي وكأن اليسار يقدم مشيل عفلق وجورج حبش أو غسان كنفاني.. أنا هنا لا أدافع عن الإخوان فعليهم مئات الملاحظات في الإقصاء وعدم قبول الآخر ومحاولة الاستقواء ، ولكن الذي استفزني محاولة البعض النفوذ من باب نقد الإخوان إلى الإساءة للإسلام.
والعلامة المميزة في الانتخابات الأخيرة أن العشيرة لم تغب عن هذا الماراثون، والكثير من الأحزاب بمن فيها جبهة العمل الإسلامي اعتمدت على مرشحين لهم ثقل عشائري خصوصا في القوائم المحلية ، وهذا ليس خطأ لأن ما جرى محطة أولى على الطريق الطويل نحو تسييس المجتمع الأردني ليكون الاختيار على أساس المواقف والمباديء لا على علاقة النسب والقربى.
نصيحة للإخوان بألا تأخذهم نشوة النصر ،ويحاولون الاستقواء على الآخرين وعليهم أن يثبتوا أنهم أبناء وطن يسعون للمشاركة لا للمغالبة وتكون معارضتهم للسياسات لا للمؤسسات.