الرؤية الاقتصادية .. شراكة حقيقية أم مجرد طموح مؤجل؟
محمود الدباس - ابو الليث
12-09-2024 01:00 PM
ونحن إذ نقف على اعتاب مرحلة جديدة من التحديث السياسي.. ونتوقع منها احراز تقدماً ملحوظاً.. حتى وإن كان يسيراً، فإننا نتطلع لأن تنعكس ايجاباً على مستقبلنا جميعاً وتساهم في حركة ايجابية لرؤية التحديث الاقتصادية..
إنّ الرؤية الاقتصادية التي تبنّاها جلالة الملك تعد خطوة استراتيجية تحمل في طياتها الآمال الكبيرة.. ومع متابعة مباشرة من رأس الدولة وولي العهد الأمين.. تصبح هذه الرؤية بعيدة عن حدود التغييرات السياسية والحكومية العاجلة.. وهو ما يمنحها قدرة على الاستمرارية والتطور.. غير أن التنفيذ الفاعل على أرض الواقع.. يبقى هو المفتاح الحقيقي لنجاح أي خطة.. وهنا يجب أن نبتعد عن الوعود المستقبلية.. التي لا يمكن قياسها أو تقييمها بشكل ملموس.. فالمواطن والمستثمر على حد سواء.. بحاجة إلى نتائج واقعية.. لا وعود متكررة لا تجد طريقها إلى التنفيذ..
وفي جوهر هذه الرؤية الاقتصادية.. نجد أن القطاع الخاص يلعب دوراً حاسماً.. فهو المحرك الأساسي للتنمية الاقتصادية.. ولكن حتى يتمكن القطاع الخاص من أداء هذا الدور.. لا بد أن تنظر له الدولة كشريك استراتيجي.. لا كعدو أو منافس.. إن روح التعاون بين القطاعين العام والخاص.. هي التي ستفتح الباب نحو تنفيذ هذه الرؤية.. فالحكومة لوحدها لا يمكنها تحقيق النهضة الاقتصادية.. لكنها تحتاج إلى بيئة مؤسساتية تدعم القطاع الخاص.. وتخلق الثقة المتبادلة معه..
وهنا نسأل.. ما الذي يمنعنا من التعلم من تجارب الدول التي سبقتنا في التحديث الاقتصادي؟!.. لماذا لا نستفيد من تجارب النجاح التي حققتها دول أخرى في ظروف مشابهة؟!..
إن استقطاب الكفاءات الأردنية المغتربة.. واستثمار خبراتها التي اكتسبتها في الخارج.. قد يكون حلاً سريعاً لتعزيز تطبيق هذه الرؤية.. فالخبراء الأردنيون المنتشرون في كافة أنحاء العالم أثبتوا جدارتهم.. وتدخلهم في إدارة هذه المرحلة.. قد يدفع عجلة التقدم نحو تحقيق الأهداف المرجوة..
غير أن التحدي الأكبر.. يكمن في تغيير العقلية الإدارية داخل المؤسسات الحكومية.. فالمسؤول والموظف الحكومي.. لا بد أن يؤمنا إيماناً مطلقاُ بهذه الرؤية.. وأن يدركا أنها ليست مجرد شعار سياسي.. بل هي رؤية وطنية.. تهدف إلى النهوض بالمجتمع والاقتصاد.. هنا تكمن أهمية العمل الجماعي.. إذ إن أي محاولة لتأخير أو عرقلة هذه الرؤية من خلال البيروقراطية.. أو المصالح الشخصية.. ستؤدي إلى إضعافها.. مما يفتح المجال لقوى الشد العكسي.. تلك القوى التي تتمسك بمصالح ضيقة.. وتفضل الوضع الراهن على التغيير.. وهذا ما يهدد مستقبل الرؤيا بالكامل..
في عالم اليوم.. يتنافس الجميع على جذب المستثمرين.. ولا يمكننا أن نتغافل عن أن المستثمر بات هو الزبون الذي يجب أن نخدمه.. ونلبي احتياجاته.. فمقولة "الزبون دائماً على حق" يجب أن تكون مبدأ يُتبنى من قبل كل مسؤول حكومي يتعامل مع الاستثمار.. إذ لا يمكننا أن ننتظر استقطاب استثمارات كبرى.. دون توفير بيئة تنافسية حقيقية.. بيئة تجعل الأردن وجهة مفضلة.. خاصة في ظل المنافسة الإقليمية الشديدة..
الأردن يملك العديد من المميزات.. والتي إن تم استثمارها بشكل صحيح.. قد تكون عامل جذب قوي للمستثمرين.. على سبيل المثال.. الموقع الجغرافي الذي يجعل من الأردن حلقة وصل بين القارات.. والسياسة الخارجية المتزنة التي حافظت على علاقات إيجابية مع معظم دول العالم.. والاتفاقيات التجارية الحرة التي وقعها الأردن مع كتل اقتصادية كبرى.. كلها أدوات قوية يمكن أن تلعب دوراً حيوياً في تطبيق وتحقيق هذه الرؤية..
لا يمكننا أن نغفل أيضاً عن الطاقة المتجددة.. خاصة الطاقة الشمسية.. فالأردن يمتلك واحدة من أفضل نسب السطوع الشمسي في العالم.. وهذه ميزة تنافسية عالية.. في ظل توجه العالم نحو الطاقة النظيفة.. ومن هنا يمكننا أن نخلق فرصاً استثمارية جديدة في هذا المجال.. مما يساهم في تعزيز الاقتصاد بشكل مستدام..
لكن في نهاية المطاف.. الرؤية لن تتحقق دون إيمان راسخ بها.. ودون أن تكون هناك إرادة حقيقية لتغيير النهج التقليدي في الإدارة الحكومية.. إذا لم يؤمن أصحاب القرار.. والمشرعون.. والمؤسسات بهذه الرؤية.. فستظل مجرد حبر على ورق.. لذا يجب أن تكون هذه الرؤية مرجعاً لكل من يؤيدها أو يعارضها.. بحيث تعطي الصورة الحقيقية بدون مجاملة أو مبالغة..