الأديب والكاتب الصحفي البارز ( أنيس منصور ) للذي لا يعرفه ، هو باختصار كاتب مصري متعدد المواهب غزير النشاطات ، له ما ينوف على (70) مؤلفا توزعت على حقول إبداعية شتى ، فمن الأدب قصّاً و روياّ ونقداً وأحاديث إذاعية وتليفزيونية ، إلى السياسة حيث عمل مراسلا حربيا وكتب آلاف المقالات الصحفية والتحليلات السياسية ، ناهيك به صاحب قلم رشيق في الكتابة الساخرة والسرد الوصفي وأدب الرحلات .فمؤلفه الأشهر ( حول العالم في 200 يوم ) قد بزّت شهرته شهرة صاحبه إذ ما زال متداولا حتى اليوم ، وما زال الأديب الكبير أطال الله في عمره وقد شارف على الثمانين في أوج تألقه عطاءا وإنتاجا وحيوية .
وفي إحدى مغامراته إبان عمله كمراسل حربي في اليابان ، أن بركانا هادئا حد الموات لم يلفظ قبلة حمميّة واحدة منذ ( 200 ) عاما ، لكنه خرج عن صمته في ذلك اليوم والذي صادف أن كان ( 17 آب) وهو عيد ميلاد الأستاذ منصور ، حيث تحول المحيط الهادئ إلى بحيرات حممية تشهق نارا وتزفر لهبا في تنفسها السعيريّ الغاضب ، وكان ذلك بالقطع حدثا ساخنا بحسب القاموس الصحفي ، وكاد زميله المصور أن يقع مغشيا عليه ، حين همس له الأستاذ منصور بأنه سيحتفل بذكرى ميلاده فوق تلك البحيرات اللاهبة مشيرا بسبابته إلى حيث النيران !، ولم ينتظر موافقة زميله المصور فقد قرّ قراره بأن استأجر طائرة صغيرة ( 2.5م × 1م ) هكذا .. (!) وكان طموح أنيس منصور لحظتها أن يكتب ويصور ثم يرسل إلى (آخر ساعة) و (الأخبار) و (أخبار اليوم) و مطبوعات أخرى ، وبأن يكون ذلك قصب السبق في تغطية هذا الحدث المغري ، وكذا كان .. حيث سبقت (آخر ساعة ) مجلة ( اللايف ) الأميركية الشهيرة .
أما المثير كما يروي الأديب الكبير فكان في عملية التصوير ، حيث كانت درجة الحرارة داخل الطائرة من السخونة باحتراق لدرجة انهم خلعوا ملابسهم إلا من ورق التوت – عفوا : ورق الصحافة !، فظهرا كأنهما طرزانان بل ثلاثة إذ نظرا إلى مقعد القيادة فوجداه خاليا ، فقد كان ثالثهما الطيار و الذي لم يرد أن تفته مثل هذه الفرصة التاريخية في تصوير البحيرات الملتهبة ، غير أن حرارة الطائرة بدأت تلفظ نارا أعتى ولم يبقَ من شيء يخلعونه إلاّ جلودهم و .. لكن ! ، وحين بدأت الطائرة بحركات هستيرية سارع الطيار إلى مقعده لينطلق و بصعوبة ، هرباً من خطر كان محدقاً وموت كان محققاً حيث حط بعد غير محاولة في قاعدة قرب بيرل هاربر الأميركية في نهاية المطاف .
المثير الثاني في الحكاية .. ختاما ، كان كما يروي أنيس منصور هو في الإحساس بالخوف والذي بلغ أوجه (جواً) وتلاشى تماماً ( أرضاً ) ، حتى و لكأنه فعل ميكانيكي متعلقٌ بالطيران لا حالة سيكولوجية متعلقة بالإنسان ، فلعلها تلك الوشيجة التوأمية بين الأرض والإنسان ، إذ لم يتغير الإحساس بالأمان على الأرض حتى حين رأى أن الجناحين قد احترقا ، وأن قذائف اللهب الحممية قد كان بينها وبين خزانات الوقود أقل من ثلاثة مليمترات !!! ]
Abudalhoum_m@yahoo.com