جبهة العمل الإسلامي .. مسؤوليات جسيمة بعد فوز حاسم
سامي شريم
12-09-2024 01:32 PM
نبارك لجبهة العمل الإسلامي هذا الفوز العظيم الذي يعكس ثقة الاردنين بهذا الحزب المحترم ونحن سعداء بأن النتائج جاءت نظيفة ونزيهة، ولم يشكك احد بصحتها، إذ قال الاردنيون كلمتهم ومنحوا الثقة بحرية مطلقة .
بعد النجاح الباهر الذي حققته جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات الأخيرة، أصبحت أمام تحدٍ كبير يتمثل في إدارة هذا النجاح وتحقيق التغيير الذي طالما نادت به. بفضل هذا الفوز تمتلك الجبهة القدرة على التفاوض مع المستقلين وبعض الأحزاب لتشكيل أغلبية في البرلمان، وهو ما يعزز دورها في صناعة القرار الوطني. لكن هذا النجاح يضعها أيضًا أمام مسؤوليات جسام تتطلب معالجة ملفات خطيرة وحساسة تستدعي تحقيق اصلاحات جوهرية ضرورية.
نجاح الجبهة يعني أنها لم تعد تقتصر على دور المعارضة فقط، بل أصبحت جزءًا محوريًا في اللعبة السياسية. ستكون الجبهة مطالبة بالاتفاق مع المستقلين والأحزاب الأخرى لتشكيل أغلبية برلمانية تمكنها من تمرير التشريعات والإصلاحات التي تصبو إليها. هذا التحالف سيعزز من قوة الجبهة داخل البرلمان، وسيكون له دورا أساسيا في مراقبة أداء الحكومة والمشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
من اهم الملفات حسب رأي التي يجب أن تكون على جدول أعمال جبهة العمل الإسلامي بعد نجاحها هو إعادة النظر في كافة الاتفاقيات التي وقعتها الحكومات السابقة. فكثير من هذه الاتفاقيات، حسب رأي لم تراعِ مصلحة الوطن، بل أضرت بالاقتصاد والمصالح الوطنية العليا. بعض هذه الاتفاقيات شابها الفساد و أو "الكومشن السياسى"، وهو ما يفرض الحاجة إلى مراجعتها بعناية.
ومن أبرز الأمثلة على هذه الاتفاقيات هي اتفاقية الناقل الوطني، التي تتطلب تعديلًا جوهريًا أو حتى إلغاءًه لان هناك شركةكبرى تستعد لتنفيذ وتمويل هذا المشروع الهام بمليار دولار على الاقل من السعر المحال به فمن مصلحة الوطن التخلص من هذه الاتفاقية أو تعديلها بما يخدم المصالح الوطنبه .
وأعتقد أن حزب حبهة العمل يشاركني الاعتقاد أن الدمار الذي ألحقته هذه الاتفاقيات بالاقتصاد الوطني لا يمكن إصلاحه مالم تتم مراجعة هذه الاتفاقيات بشكل جذري، لذا، ستكون مراجعة هذه الاتفاقيات خطوة أولى نحو تحقيق الإصلاحات الاقتصادية التي ينتظرها الشعب.
وعلى الجبهة (جبهة العمل الإسلامي ) العمل على إعادة هيبة المجلس النيابي، حيث توالت حكومات ضعيفة في اعلب الأحيان، غير قادرة على مجابهة هذه التحديات . تحالف الجبهة مع المستقلين وبعض الأحزاب سيشكل قوة سياسية ضاغطة تجبر الحكومة على الارتقاء بخدماتها ضمن إمكانياتها المتاحة، أو مواجهة خيار الرحيل. الحكومة بحاجة إلى أن تكون قوية وشفافة في قراراتها، وأن تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ووقف ومكافحة الفساد
لطالما نادت الجبهة بضرورة محاسبة الفاسدين، وكان هذا مطلبًا ثابتًا في برامجها الانتخابية. بعد الفوز، ستسعى الجبهة إلى إعادة فتح ملفات الفساد المتعلقة بخصخصة الشركات وإلغاء ودمج المؤسسات المستقلة، والبحث في كيفية تعيين قادة هذه المؤسسات. إذا كان تعيينهم قد تم بناءً على فساد و/أو الوساطة، فالجبهة ستسعى إلى فصلهم واستعادة الأموال العامة التي تلقوها بشكل غير مشروع وقضايا و الفساد لا تسري عليها مدد التقادم ولا سياسات التمرير وفقا لاهواء الحكومات.
هذه الخطوة تهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية للعجز المالي المتفاقم، والحد من المديونية وخدمة الدين العام. سيكون على الجبهة إعداد موازنة واقعية تستند إلى القدرات المالية المتاحة استنادا إلى ضبط النفقات واستغلال امكانيات الوطن استغلال أمثل دون اللجوء للاقتراض المفرط.
أما ملف الاستثمار فهو في امس، الحاجة إلى إعادة نظر شاملة ستعمل الجبهة على فتح ملف الاستثمار وإزالة كافة العقبات التي تواجه المستثمرين، خاصة تلك التي تشوبها شبهات الفساد. من خلال تبسيط الإجراءات وإزالة الروتين والبيروقراطية التي تعيق أي استثمار، تسعى الجبهة إلى استقطاب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية لتحريك عجلة الاقتصاد. فالروتين والبيرقراطية أصبحا سمة الاداء في دوائر الدولة والاعتداء على وقت وجهد ومال المواطن وسرقة انتماءه سياسة تتنافس الدوائر والوزارات على تطبيقها وكأنها مهمتها الأساسية.
تحفيز الاستثمار يعني كذلك تعزيز الإنتاج المحلي، وهو ما سيخلق فرص عمل جديدة ويخفض معدلات البطالة. إلى جانب ذلك، فعلى الجبهة العمل على تشجيع المنتج الوطني، حيث يتم ضمان شراء المنتجات المحلية من قبل المؤسسات الحكومية أو حتى منع استيراد بعض السلع التي تنافس المنتج المحلي، مما يعزز بناء ثروة وطنية مستقلة ويزيد من الناتج المحلي الإجمالي.
وسيكون من الضروري على الجبهة، بعد فوزها، أن تركز على استغلال الإمكانيات المتاحة فوق الأرض وتحتها لمعالجة العجز المالي ودفع أقساط الدين. و على الحبهة ان تؤمن بضرورة العمل على إيقاف الزيادة السنوية الكارثية في خدمة الدين، والبدء بتخفيضها تدريجيًا حتى يتم التخلص منها تمامًا.
الموازنة يجب أن تكون قادرة على تغطية النفقات الجارية والرأسمالية وسداد جزء من الديون سنويًا لتقليل العبء المالي على الدولة. كما يجب أن تكون الديون مقتصرة على تمويل المشاريع الإنتاجية التي يمكن أن تعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني، وليس مجرد اقتراض لسد العجز. والتي أصبحت المهمة الأساسية للحكومات عقد اتفاقيات القروض والاحتفال بتوقيعها.
كما ان تعزيز الصناعات الوطنية يعد من الركائز الأساسية التي تعتمد عليها الجبهة لتحقيق النمو الاقتصادي. من خلال تقديم الدعم للمؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، يمكن خلق فرص عمل جديدة وتقليص معدلات البطالة. إضافة إلى ذلك، يمكن تحفيز المنتج الوطني عبر دعم سياسات تضمن منافسة عادلة بين المنتجات المحلية والمستوردة، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاج الوطني وتقليل الاعتماد على الواردات.
لقد قطعت جبهة العمل الإسلامي على نفسها وعودًا عديدة في برامجها الانتخابية، وأبرزها هو الالتزام بإصلاح الاقتصاد وتحقيق العدالة الاجتماعية. هذا الالتزام سيتطلب من الجبهة وضع خطط اقتصادية واضحة وتنفيذها بحزم. لن يكون الأمر سهلاً، لكن مع التحالفات السياسية والاقتصادية الصحيحة، يمكن للجبهة أن تحقق نتائج ملموسة تعود بالفائدة على الشعب.
من خلال التعاون مع القطاع الخاص وتعزيز الرقابة والمحاسبة في المؤسسات الحكومية، يمكن تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتحسين مستوى معيشة المواطنين.
إن نجاح جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات الأخيرة يعد نقطة تحول مهمة في السياسة الأردنية. لكن هذا النجاح يحمل معه تحديات كبيرة، حيث يتطلب من الجبهة العمل على إصلاحات جذرية في مختلف المجالات، بدءًا من إعادة النظر في الاتفاقيات الحكومية، مرورًا بمحاربة الفساد، ووصولاً إلى معالجة الملف الاقتصادي والاستثماري.
إذا استطاعت الجبهة تحقيق هذه الإصلاحات بفعالية، فإنها ستساهم في إعادة بناء الثقة بين الحكومة والشعب، وستضع الأردن على مسار جديد نحو الاستقرار السياسي والاقتصادي، لكن يبقى السؤال الأهم: هل ستكون الجبهة قادرة على تحمل هذا الحمل الثقيل وتحقيق التغيير الذي طالما وعدت به؟ فقط الزمن سيجيب عن هذا السؤال.