نجاح جبهة العمل الإسلامي .. مسوغات عشرة!
يزن عيد الحراحشة
11-09-2024 07:52 PM
تتردد الأصداء منذ بدايات الفرز الليلة الماضية حتى هذه اللحظة حول الحدث الأبرز بالتصدر المكتسح للقائمة العامة لجبهة العمل الإسلامي، ورغم أن نتائج الانتخابات الطلابية ولتكن الجامعة الأردنية عنوانها كانت المقدمة الأولى لما يحدث اليوم، إلا أن الأسئلة تطرح، ونجيب:
أولا: التاريخ المساند...
حظيت جبهة العمل الإسلامي تاريخيا في الأردن ببحبوحة واسعة من العيش امتدت منذ حظر الأحزاب في الخمسينات وحتى عام ال89، حيث وبناء على حاجة النظام السياسي إلى تصعيد الخطاب المحافظ لمواجهة الحركات اليسارية الأكثر تطرفا ساقه إلى ترك جمعية الإخوان المسلمين للعمل تحت النور -مجتمعيا- بينما توزع الباقون بين معتقل وسرداب، حيث أدى هذا البقاء إلى خلق الحركة لبيئة اجتماعية خصبة تنامت فيها باطراد، كما أن باقي الحراكات لاقت بعدها تضييقات فاقت التضييقات على الحركة التي تمتعت عندها بقواعد اقوى تحول عنها.
ثانيا: المؤسسية العالية، الوفرة المادية...
تتمتع جبهة العمل الإسلامي بشكل مؤسسي منيع يمتاز بالضبط والربط وتراتبية العمل، كما أنها تعتمد في ترقيتها للأعضاء على سجلات أداء موضوعية، وهذا ما يضمن لها دائما تصدير قيادات حقيقية وقوية تتمتع بمعرفة تامة بما يلزمها، كما أن الجبهة تملك عشرات بين المؤسسات والشخوص الداعمين ماديا، خصوصا أن الأمر له قدسية عالية عند الداعمين لربطه بالحسنات وترقيته ليدخل في باب الجهاد بالمال عند الداعمين، وهذا ما أهل الحركة لخلق مؤسسات قوية رافدة، مثل الكتل الطلابية والجمعيات الخيرية وجمعيات القرآن الكريم وعشرات الأندية الصيفية هنا وهناك، علاوة على تبني مؤسسات تربوية وأكاديمية لخطاب الحركة.
ثالثا: العاطفة الدينية، الاقتراب من الشارع...
تنعم جبهة العمل الإسلامي باختلاط دائم واشتباك مستمر مع القواعد الجماهيرية، ولهذا أسبابه ابتداء من تقبل الناس -على الفطرة- للطرح الإسلامي وانتهاء بما ذكرت في النقطة السابقة من وجود أذرع ومؤسسات رافدة تقرب وجهات النظر دائما، كما أن الخطاب الديني دائما ما يلقى رواجا شعبيا، علاوة على امتلاك الحركة لبرامج اقتصادية تدافع عن الطبقات المهمشة، ولست بحاجة إلى الإسهاب في ذكر أشكال العاطفة.
رابعا: مخرجات المجلس الماضي...
مثلت جبهة العمل الإسلامي ممثلة بكتلة الإصلاح الحالة البرلمانية الوحيدة التي تستحق اسم كتلة، حيث دائما ما تساوت أيادي نوابها العشرة من حيث الرفع والخفض، كما أنهم قدموا نماذج برلمانية مشرفة أبرزها صالح العرموطي الذي يشير إليه الجميع بالبنان، كما أن الكتلة استغلت بعض القوانين لخلق حالة بروباغاندا شعبية تجاهها رغم استخدامها لشيء من التزييف والتشويه لحقيقة هذه القوانين.
خامسا: ضعف المعرفة بقانون الانتخاب الجديد...
الناظر إلى عدد الأصوات الساقطة بيضاء في الصندوق الحزبي سيعلم مدى الجهل بفكرة القائمة العامة، حيث توزع ما يقارب من 260 ألف ورقة اقتراع بين الفراغ أو الشطب بسبب الاقتراع الخاطئ، وهذا الرقم المهول نسبيا 16% من المقترعين يبين كم الجهل أو الرفض أو عدم الاهتمام لفكرة القائمة العامة، وهذا ما سبب تصويت عدد كبير آخر من الناخبين لجبهة العمل الإسلامي من باب: "اللي بتعرفه أحسن من اللي بتعرفه" أو الفكرة الأشهر في ال89: "صوت لقرابتي وصوت للشيخ"، كما أن قدرتها على تشكيل قوائم محلية تحمل نفس اسم الجبهة ساهم بصب المزيد من الأصوات المحلية التقليدية في صندوق الجبهة العام بسبب اقتران الأسماء.
سادسا: الظرف الإقليمي، داعم كبير!
لا منكر لأثر الظرف الإقليمي الحالي على وضع الجبهة داخليا، رغم أن الحركة في غزة بعيدة أيامنا هذه عن حركة الإخوان المسلمين عالميا لأسباب قد أذكرها في مقال آخر، إلا أن الجبهة في الأردن استطاعت العزف جيدا على وتر الأحداث خصوصا مع قدرتها الكبيرة والدائمة على التواجد في الشارع ما لم تقتض المصلحة الدبلوماسية مع النظام السياسي عكس هذا، كما أن تصاعد خطاب الكيان غربا يحتم على النظام السياسي تصعيد خطاب مناوئ في الأردن، ولا أعني هنا التدخل المباشر بقدر ما أعني السماح بالعمل الحر، ومرتاد الجمع الأخيرة سيلاحظ حالة فضفاضة منحت لخطباء المساجد لما قد أسميه دعوة ضمنية للجبهة، مع عشرات الاستعارات والمقاربات مع خطاب الحركة في قطاع، سواء في مثلث أحمر أو جمل مستعارة، أو إدعاء توافق التوجه.
سابعا: الخطاب المرن، خيوط تلاعب!
تملك جبهة العمل الإسلامي خطابا مقبولا، وهذا بسبب تبنيها لبرامج شبه يسارية اقتصاديا فيما يخص التعليم والصحة والمواصلات والحقوق العمالية، مع حفاظها على خطابها المحافظ اجتماعيا، مع مساحة واسعة للتأرجح بين معارضة سياسية بسقوف عالية أحيانا تتحول فجأة لحالة موالاة غريبة عجيبة، وهذا ما يجعلها صاحبة قبول.
ثامنا: ضعف الخصوم، طريق مُعبد!
بعد أن شذبت الجنحان لباقي الأحزاب الأيدولوجية في الأردن منذ خمسينات القرن الماضي، وإفشال محاولات قيام أحزاب معارضة بسقوف عالية، تركت المساحة لجبهة العمل الإسلامي صاحبة العضلات المفتولة لتنازل أحزاب أيدولوجية هزيلة جسمانيا، أو أحزاب منعوتة بال "برامجية" ما زالت تحاول تركيب مفاصلها علها تخلق جسد ترتكن عليه مضروبة بعشرات الاشتراطات فداء للتصويب والترخيص، عداك عن افتقار هذه الأحزاب للجدية والإقناع رغم توفر مئات الآلاف من النقود عند بعضها، إلا نقص الخبرة الكبير وضيق الوقت وسوء سمعة بعض قيادات لبعضها حولها إلى أجسام هامدة يسهل جزها.
تاسعا: إخلاص الأعضاء:
تحظى جبهة العمل الإسلامي بعدد مهول من الكوادر الجاهزة المدربة في مواقع انتخابية أخرى للعمل في الانتخابات، حيث لن تحتاج الجبهة يوما لمتطوعين ومتطوعات ولا لخطط طوارئ، ولن تضطر لتدريب متطوعيها لتبني خطابها أو الإيمان المطلق به، أرضية جاهزة وقوية، دافعية عالية، طاقات جاهزة لتوجَّه نحو أي مهلكة ضمن وازع ديني مربوط بجنة ونار وإيمان ونصر، بل مقاربة مع الثغور!
عاشرا: نقابة المعلمين، أم الأمنيات!
شكلت نقابة المعلمين حالة داعمة ورافدة بقوة للجبهة هذه الانتخابات بداية من تصعيد مجالس النقابة في المحافظات على شكل قوائم محلية، وانتهاء باختيار أبرز رموزها للترشح ضمن القائمة العامة - تمكنت الجبهة من تحقيق حالة استقطاب عظمى لواحدة من أكبر الشرائح المجتمعية التي تشكو التهميش، مع عائلاتها طبعا.
على هذا أكون قد وضعت مسوغاتي العشرة، تاركا الباب على مصرعيه لأي راغب بالجرح أو التعديل أو الزيادة.