تعليقات بخصوص الانتخابات البرلمانية ومستقبل التجربة
أ. د. خالد شنيكات
11-09-2024 05:52 PM
منذ الاعلان عن النتائج، وأنا أفكر في الانتخابات والمستقبل، وكنت متردداً في الكتابة لأسباب أبرزها كيف سيتم فهم ما كتبته، رغم أهمية وحيوية الكتابة في هذا الموضوع، وسأبدا بالتعليق على الانتخابات، ثم للجانب الاخر المهم في الموضوع وهو مستقبل التجربة.
الحقيقة إنني كنت أرى بأن الأحزاب جميعها ستحصل على مقاعد بعدد من ١-٣ في أحسن الأحوال لأني كنت لا أرى فوارق شاسعة بينها، وان المقاعد ستوزع بينهم في أحسن الأحوال، وبالطبع فإن هناك أحزاب لن تحصل على أي مقعد، أما جبهة العمل الإسلامي فكنت اعتقد إنها لن تتجاوز كحد أقصى ١٠ مقاعد، وقلت ان الأحزاب كلها فشلت في تنظيم تجمعات انتخابية تزيد عن ٢٠ ألف ناخب، وهذا من وجهة نظري يعكس ضعف في القدرة على الحشد الشعبي، وهو أيضا ما ظهر في نسبة المشاركة في الانتخابات.
واضح ان هناك شيئاً مهماً وهو ان هناك تصويت للناخب غير معلن اي مستتر، وهو يوضح حجم ما حصل عليه حزب الجبهة، كذلك فان التصويت جاء من الاتجاهات المحافظة والتي تؤيد الجبهة حتى ولو لم تكن منظمة حزبيا.
أما بالنسبة لحجم المشاركة، فقلت ان محافظات الأطراف سترتفع المشاركة السياسية ونشهد مشاركة ضعيفة للمدن الرئيسية، وهو ماحصل، وبقية المحافظات الرئيسية دون ٥٠%، رغم ان نسب المشاركة قبل انتخابات ٢٠٢٠ كانت تتجاوز الخمسين بالمئة.
نترك الانتخابات البرلمانية خلفنا ونفكر في اليوم التالي للانتخابات، والحقيقة انني كنت متردد في كتابة ذلك، لأني لا أعلم كيف سيفهم، وهل ستصل الرسالة بحسن النية التي أحملها وراغب بايصالها، واسمحو لي ان أوصلها على النحو الآتي:
١- ان ما حصل في انتخابات الاردن لم يحصل على مدى تاريخ الأردن، من حيث الموضوعية والنزاهة والإجراءات الشفافة، وهذه فرصة عظيمة وكبيرة، وكثيراً من المراقبين لم يراهنوا على ذلك.
٢-ان العملية الإصلاحية جاءت برؤية ملكية وليس بضغط شعبي، فلم نشهد مظاهرات حاشدة تطالب بالاصلاح.
٣- ان القيام بعملية إصلاحية كهذه تتطلب قلوب شجاعة ورؤيا واضحة في ظل وضع داخلي وخارجي صعب، في اقليم لم يعرف الديمقراطية، وعرف الدماء والثورات والحروب والسجون والقتل والإبادة والثورات المضادة وانهيار الدول وتفككها، وغياب التسامح، وسيطرة ثقافة سلطوية يصعب تفكيكها، ومتمترسة حول ثقافة لها جذورها التاريخية العميقة.
٤- لم يسمح لأي تجربة ديمقراطية بالنمو والازدهار سواء من خلال الإجهاض المبكر أو انقلابات عسكرية أو حتى بتدخل دولي، والأسباب متعددة وكثيرة وليس هذا مكانا لسردها.
كل ما قلته يدفعني إلى للحديث عن تجربتنا والتي قلبي عليها، بعد فشل تجربة لدولة عربية للتو، وانتهاء تجربتها لاسيما إنها تجربة عريقة، ورغم ان جلالة الملك وضع بعض الآليات وحواجز الصد لمنع تكرار الفشل، ومن يطلع على الأوراق النقاشية الملكية، سيجد تحديداً في الدور المطلوب والمناط به للملكية، وحتى الدور المطلوب من الأحزاب، وكذلك الأدوار المطلوبة من مختلف فواعل العملية السياسية.
وفي ضوء نتائج هذه الانتخابات، فإن الكرة أصبحت في ملعب الإسلاميين، وعليهم مسؤولية مضاعفة، وكبيرة في إنجازها، وإذا ما فشلت لاسمح الله، قد يكونوا هم العامل في ذلك، بل ان العامل المشترك في عدم نجاح التجربة هو الإسلاميين، ولن أعود لتاريخ كثيرا بدءاً من انقلابات تركيا العسكرية إلى ما اصطلح عليها العشرية السوداء في الجزائر مروراً بدول الربيع العربي، وما جرى بعد ذلك.
وإذا كنت ادعي كمراقب وليس كباحث او منظر ومن باب التواضع فان الإسلاميين كانوا جزءا من المشكلة، وقد يكونوا أيضاً ضحايا لعدم فهمهم اللحظة التاريخية بشكل صحيح، وبالإضافة إلى أسباب أخرى أيضاً كنت قد أشرت لها أيضا في بداية حديثي، أهمها ثقافتنا السياسية القائمة على محاربة الاختلاف، وحجم المؤامرات ودرجة استحكامها.
وهناك أدوار مطلوب من الجبهة في هذه المرحلةومنها
١-المشاركة بإيجابية وبطريقة بناءة في العملية السياسية واجتراح الحلول، والصبر والتأني في ممارسة العمل السياسي في بيئة عمل سياسي تتسم بالغموض، وتحتاج إلى نفس طويل ورؤية بعيدة المدى.
٢- التفكير دائما بعقلية حل المشكلات، وبعيداً عن الخطاب السلبي، والصدامي، وإدراك حجم وإمكانيات وقدرات الدولة والمجال الممكن، وان السياسة تحكم بالمصالح والبراغماتية وليس بالايديولوجيا، وان يكون استعداد دائم للحلول والذهاب للاجماع، وتقديم التنازلات في العملية السياسية من أجل الحفاظ على التجربة، ولا مشكلة في التنازل عن المكاسب الانية لصالح المكاسب العليا لحماية التجربة.
٢- أنا متأكد أن هذه التجربة تتم مراقبتها من الخارج سواء الإقليم ام الدول الكبرى، وبالتالي هل سنثبت ان هذه التجربة تمثل نموذج للمنطقة في الاستقرار والتقدم والرفاه والحريات والتعددية، لمنطقة تعاني أصلا من استقطابات صعب الشفاء منها، وعرفت الإقصاء وأقبية السجون، وعلى الجميع هنا أن يقاتل ليجعل هذه التجربة بأنها جديرة بالاتباع وبانها النموذج الأفضل والحل الحقيقي لدول المنطقة، وليس للاجهاض ونفقد هذه اللحظة التاريخية، ونلتحق ببقية الإقليم، وهنا ارجو ان يفهم من كلامي في هذا السياق، وارجو ان يحكمنا التصرف دائما ان العالم ينظر إلينا كيف نتصرف.