الأحزاب .. بين ظل الأفراد .. ونور البرامج ..
محمود الدباس - ابو الليث
11-09-2024 05:45 PM
ما شهدته الانتخابات النيابية هذه المرة.. لم يكن مجرد تمرين ديمقراطي تقليدي.. بل هو انعكاس لتحولات عميقة في المشهد السياسي والحزبي في البلاد.. فمع تخصيص 41 مقعداً للأحزاب من أصل 138.. بدأت الأحزاب في تشكيل واقع جديد للمشهد البرلماني.. حيث تزداد نسبة المقاعد المخصصة للأحزاب في الانتخابات المقبلة تدريجياً حتى يصبح المجلس برلماناً يعتمد بشكل أساسي على الكتل الحزبية..
لكن النتائج التي برزت بعد الإعلان عن الفائزين.. حملت مفاجآت غير متوقعة لكثير من المحللين.. والذين توقعوا لبعض الاحزاب ان تحصل على 8 - 10 مقاعد.. والبعض الاخر على 4- 6 مقاعد..
حيث قامت الأحزاب حديثة التأسيس.. بدعايات ضخمة.. وأُعطيت آمالاً كبيرة في اكتساح الانتخابات.. إلا أن هذه التوقعات اصطدمت بواقع قاسٍ.. إذ لم تحقق هذه الأحزاب أكثر من 3 مقاعد لكل حزب تجاوز العتبة.. في المقابل.. استطاع حزب جبهة العمل الإسلامي.. أن يحصل على 18 مقعداً.. حيث لم يتجاوز أقرب منافسيه عن 3 مقاعد.. مما يطرح العديد من التساؤلات حول جاذبية الناخبين للأحزاب التي تحمل برامج فكرية واضحة..
واللافت هنا.. هو أن الأحزاب خاضت الانتخابات بطريقتين.. عبر القائمة الحزبية العامة.. والقوائم المحلية.. فعلى سبيل المثال.. حزب الميثاق الذي حصل فقط على 3 مقاعد من القائمة الحزبية.. استطاع أن يحصد 30 مقعدا.. كمجموع المقاعد عبر الطريقتين..
وهنا نرى أن هناك نوعين من الأحزاب.. أحزاب الأشخاص.. وأحزاب البرامج.. فالأولى تعتمد على شخصيات لها علاقات اجتماعية.. أو سياسية سابقة.. أو تمتلك قوة اقتصادية.. فيما تعتمد الثانية على فكر الحزب وبرامجه وسمعته.. وهو ما جعل حزب جبهة العمل الإسلامي يحقق هذا العدد من المقاعد.. رغم أن بعض مرشحيه غير معروفين حتى في مناطقهم..
المثير هنا أن الانتخابات القادمة ستعتمد بشكل أكبر على التصويت للأحزاب بدلاً من الأفراد.. حيث ستتقلص نسبة المقاعد المخصصة للمستقلين.. وهذا سيضع الأحزاب المبنية على شخصيات أمام تحدٍ حقيقي.. ففي حال استمر العمل بنفس النهج.. لن تستطيع هذه الأحزاب الحفاظ على مقاعدها التي حصدتها عن طريق القوائم المحلية.. لأن التصويت سيكون موجهاً للحزب ذاته.. ولبرنامجه.. وليس للأفراد الذين يمثلونه.. وهذا ما يفسر نجاح حزب جبهة العمل الإسلامي.. حيث اعتمد الناخب على اسم الحزب وفكره.. دون التركيز على الأشخاص الموجودين في قوائمه..
وعليه.. الأحزاب التي ترغب في البقاء والتوسع في البرلمان القادم.. عليها أن تعيد النظر في هيكلها.. وأن تبدأ في بناء برامج حقيقية وملموسة تخاطب احتياجات الناس.. لأن المرحلة القادمة لن تكون مرحلة الأفراد.. بل مرحلة الأحزاب التي تستطيع أن تقدم رؤى وتصورات تلبي تطلعات الشارع الأردني..