تشهد دولة الاحتلال منذ أكثر من ستة أشهر تظاهرات واحتجاجات متصاعدة ، تطالب حكومة نتنياهو بابرام صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس ، وتتميز هذه التظاهرات بسقف مرتفع جدا في حرية التعبير ، حيث تتهم الحكومة بالتخاذل واضاعة الوقت وعدم الاهتمام بحياة الأسرى أو ما يسمونهم "المخطوفين" ، لأسباب حزبية وسياسية هدفها الأساس الحفاظ على الائتلاف اليميني المتطرف الذي تتشكل منه حكومة نتنياهو ! .
والمفارقة أن المحلليين ووسائل الإعلام العربية ، وحتى حسن نصرالله أمين عام حزب الله اللبناني ، ومن يصنفون ضمن ما يسمى "محور المقاومة "، يستشهدون بما تنشره الصحف والقنوات التلفزيونية الإسرائيلية وجنرالات الاحتلال، من أخبار وتقارير وتحليلات حول الانقسامات السياسية الداخلية في دولة الاحتلال ، وتوظيفها لقراءة الأحداث والخروج باستنتاجات ، غالبا ما تكون مبينية على مواقف "معلبة " ذات طبيعة رغائبية ! .
وفي هذه الفترة تزخر وسائل الاعلام العربية، بأخبار وتحليلات تراهن على الخلافات بين الأحزاب والنخب السياسية الاسرائيلية ومواقف المعارضة ، وبين نتنياهو ووزير الحرب غالانت ، أو بين المستوى السياسي من جهة ، وبين الجيش والمؤسسات الامنية من جهة أخرى ! هذا الحراك يسجل لصالحهم، وهو أحد مخرجات حالة ديمقراطية وتكريس مبدأ تداول السلطة ، وفقا للنتائج التي يفرزها صندوق الاقتراع .
أدرك تماما عمق الانقسامات الداخلية والأبعاد العنصرية، التي يمارسها العدو بحق الشعب الفلسطيني ، وفي مقدمة ذلك قانون "يهودية الدولة" - أقره البرلمان " الكنيست " عام 2018 ، الذي يمنح اليهود فقط حق تقرير المصير في اسرائيل ، ويلغي القانون اللغة العربية باعتبارها لغة رسمية ثانية في إسرائيل، واعتبار العبرية لغة الدولة الرسمية ، بالاضافة الى تشريع تسمين المستوطنات في الضفة الغربية ، وهذا القانون يكرس الواقع العنصري والتمييز ضد عرب 1948، البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة ما يعادل 20 بالمئة من سكان دولة الاحتلال ، وضمن أهداف هذا القانون القضاء على الوجود الفلسطيني في الكيان المحتل.
في مقابل ذلك أقر الكنيست قانونا آخر بتاريخ 18 تموز 2024 ، يرفض اقامة دولة فلسطينية وذلك لأول مرة في تاريخ البرلمان الاسرائيلي، بذريعة ما قامت به حركة حماس في 7 أكتوبر 2023 ، وبغض النظر عن هذه الذريعة كانت اسرائيل دائما ، ترفض اقامة دولة فلسطينية مستقلة ، وفي أحسن الأحوال كانت تعرض اقامة دولة منزوعة الاستقلال والسلاح ، وتنحصر مهامها بتقديم خدمات بلدية والقيام بدور وظيفي في خدمة الاحتلال من خلال التنسيق الأمني ! ،وذلك يعني ببساطة توجيه رسالة الى الأمم المتحدة ، وكافة الدول التي تراهن على "حل الدولتين" بأن هذا المطلب لم يعد له وجود ، بل والقضاء نهائيا على ما تبقى من اتفاق أوسلو ، الذي كان يفترض أن يفضى بعد سنوات من توقيعه عام 1993 الى اقامة دولة فلسطينية مستقلة !.
ولا يقتصر التمييز العنصري داخل دولة الاحتلال على العرب فقط ، بل يطال اليهود أنفسهم أيضا ! فالمجتمع اليهودي يعاني من انقسامات عديدة ذات طابع عنصري ، حيث يعاني اليهود من أصول شرقية "المزراحيين/ السفارديين" وإثيوبية وهندية ، من ممارسات تمييزية بحقهم من جانب اليهود أصحاب الأصول الغربية والبشرة البيضاء " النخب الأشكنازية"، فضلا عن ظهور تغييرات ديمغرافية أخرى ، فالمتدينون (الحريديم) الذين كانوا على الهامش" برز دورهم مؤخرا، وأصبحوا يطالبون بتمييزهم من خلال اعفائهم من التجنيد في الجيش .
إن أي قراءة موضوعية لهذا المشهد السياسي المضطرب داخل الكيان المحتل، تفضي الى خلاصة مفادها أن هذه حالة غير مألوفة وتتسم بالغرابة بالنسبة لعالمنا العربي ، ورغم كل ما سبق فان أحد أهم ميزات دولة الاحتلال ، توفر سقف مرتفع لحرية التعبير شئنا أم ابينا. وهذا ليس ترويجا لدولة الاحتلال ، أعرف أنها عنصرية وترتكب أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني.. لكن علينا الاعتراف أنه ليس عندهم نظام شمولي، ولا يوجد حصانة لأحد من النقد .
Theban100@gmail.com