facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




البجعات السوداء والحكومات


صالح سليم الحموري
10-09-2024 07:10 AM

في عالم يتسم بالتغيرات السريعة والتقلبات المتزايدة، أصبحت الحكومات أكثر عرضة لما يُعرف بـ "البجعات السوداء" – وهي الأحداث غير المتوقعة التي تحمل تأثيرات كبيرة وتسبب تحولات جذرية في مسار السياسات والاقتصادات وحتى المجتمعات. صاغ الباحث نسيم نيكولاس طالب هذا المفهوم في كتابه "البجعة السوداء: تأثير المستبعد تمامًا"، حيث يشير إلى تلك الأحداث التي تكون خارج نطاق التوقعات العادية، ولكنها عند حدوثها، تغير العالم من حولنا بشكل عميق.

"البجعة السوداء" هي حدث نادر وغير متوقع، ذو تأثير كبير وغير قابل للتنبؤ بسهولة باستخدام النماذج التقليدية. تلك الأحداث تقلب الافتراضات الراسخة رأسًا على عقب، وتجبر الحكومات والمؤسسات على إعادة التفكير في سياساتها واستراتيجياتها. أمثلة على البجعات السوداء تشمل الأزمات المالية العالمية، الجوائح، الكوارث الطبيعية الكارثية، وحتى الاكتشافات التكنولوجية التي تعيد تشكيل العالم.

تواجه الحكومات تحديات كبيرة عندما تضربها بجعات سوداء. من الصعب التخطيط لمثل هذه الأحداث نظرًا لندرتها وعدم توقعها. ومع ذلك، فإن تأثيرها يمكن أن يكون مدمرًا إذا لم تكن الحكومات مستعدة بما يكفي للتعامل مع التداعيات. على سبيل المثال، الأزمة المالية العالمية في عام 2008 كانت بمثابة بجعة سوداء أدت إلى انهيار العديد من المؤسسات المالية وتسببت في اضطرابات اقتصادية كبيرة. وبالمثل، جائحة كوفيد-19 التي اجتاحت العالم في 2020 كانت بجعة سوداء أحدثت تغيرات كبيرة في السياسات العامة والصحية والاقتصادية.

تعد الإمارات العربية المتحدة مثالًا بارزًا على دولة تمكنت من تبني نهج استباقي ورشيق في مواجهة البجعات السوداء. الحكومة الإماراتية، بقيادة رؤية القيادة الرشيدة، ركزت على استشراف المستقبل وتطوير قدرات استجابية مرنة للتعامل مع الأزمات. فعلى سبيل المثال، خلال جائحة كوفيد-19، تمكنت الإمارات من تطبيق استراتيجيات متقدمة في الرعاية الصحية وإدارة الأزمات، مما ساعد على تخفيف تأثير الجائحة بشكل ملحوظ. كما استثمرت الدولة في التعليم والبحث والابتكار، مما عزز من قدرتها على مواجهة التحديات غير المتوقعة.

الاستعداد لمواجهة البجعات السوداء يتطلب من الحكومات تبني نهج "استباقي ورشيق". بدلاً من الاعتماد فقط على التنبؤات التقليدية والنماذج الاقتصادية التي تعتمد على الاستقرار والروتين، يجب على الحكومات:

1. استشراف المستقبل وتبني سيناريوهات متعددة: التفكير في احتمالات متعددة، بما في ذلك الأحداث النادرة وغير المتوقعة، لتوسيع نطاق الاستعداد.
2. تعزيز القدرات الاستجابية: تطوير آليات استجابة سريعة للأزمات تسمح باتخاذ قرارات حاسمة في أوقات عدم اليقين.
3. الاستثمار في التعليم والبحث والابتكار: دعم البحث العلمي والتعليم يمكن أن يساعد في تطوير الحلول المبتكرة والاستعداد لأي مفاجآت مستقبلية.
4. تعزيز التعاون الدولي: التعاون بين الدول يمكن أن يوفر دعمًا متبادلًا ويساعد في التخفيف من تأثير البجعات السوداء عندما تحدث.
5. تعزيز رشاقة المؤسسات: يجب أن تكون المؤسسات قادرة على التكيف مع التغيرات غير المتوقعة بسرعة، مما يقلل من تأثير الصدمات.

البجعات السوداء ليست مجرد تحديات، بل تحمل في طياتها دروسًا قيمة يمكن للحكومات الاستفادة منها لتحسين الاستعداد المستقبلي. فعلى سبيل المثال، أزمة الطاقة في السبعينيات دفعت الدول إلى إعادة النظر في سياسات الطاقة الخاصة بها، مما أدى إلى تطوير مصادر طاقة بديلة. هذه الدروس التاريخية يمكن أن توجه الحكومات في كيفية التعامل مع البجعات السوداء في المستقبل.

البجعات السوداء تذكير دائم بأن العالم مليء بالمفاجآت التي يصعب التنبؤ بها. ومع ذلك، من خلال الاستعداد الجيد وتبني مفاهيم "استشراف المستقبل والابتكار والرشاقة" في السياسات والاستراتيجيات، يمكن للحكومات تقليل تأثير هذه الأحداث غير المتوقعة وتحويل التحديات إلى فرص. القدرة على التكيف مع المجهول ومواجهة المفاجآت هي ما يميز الحكومات القوية التي تستطيع التعامل مع المستقبل بثقة.

مفهوم البجعات السوداء يمنح الحكومات إطارًا فعالًا للتفكير في كيفية مواجهة الأحداث النادرة وغير المتوقعة. بتبني نهج رشيق واستباقي، يمكن للمؤسسات الحكومية تعزيز قدرتها على الاستجابة للأزمات، وتعزيز الابتكار، وتحقيق الاستقرار حتى في الظروف الأكثر تحديًا. إن فهم البجعات السوداء ليس مجرد محاولة للتنبؤ بما لا يمكن التنبؤ به، بل هو الاستعداد لما هو غير متوقع وتحويل هذه التحديات إلى فرص للنمو والتطور.

* صالح سليم الحموري/ خبير التدريب والتطوير/ كلية محمد بن راشد للادارة الحكومية .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :