إن الديمقراطية ليست مجرد نظام سياسي، بل هي ثقافة وقيم تتجسد في مشاركة المواطنين الفعّالة في الحياة العامة، وأحد أبرز أركانها هو التصويت،يُعتبر التصويت الوسيلة الأساسية التي يُعبّر بها الشعب عن إرادته ويحدد من خلالها من يُدير شؤونه ويُشرّع قوانينه،إن تعزيز المشاركة في التصويت يُسهم بشكل كبير في بناء ديمقراطية فعّالة، وفي الوقت ذاته يُعزز من تجربة الأحزاب السياسية ودورها في تحقيق التنمية المستدامة، ومن هذا المنطلق، يصبح من الضروري تحفيز المواطنين على التصويت لضمان تحقيق تمثيل حقيقي لكافة فئات المجتمع، وتعزيز ثقافة المشاركة السياسية.

ان أهمية التصويت في تعزيز الديمقراطية يُعد حجر الزاوية في أي نظام ديمقراطي، حيث يُمثل العقد الاجتماعي بين المواطنين والدولة، إن التصويت ليس مجرد حق، بل هو واجبٌ يُمارسه كل مواطن ليشارك في تشكيل مصير بلاده ومستقبل أجياله القادمة، حيث يُساعد التصويت في تعزيز الشعور بالمواطنة والانتماء، حيث يشعر المواطن أن صوته له قيمة ويُحدث تأثيرًا فعليًا في صنع القرار السياسي،فعندما يشارك المواطنون بكثافة في الانتخابات، فإن ذلك يُعزز من شرعية النظام الديمقراطي ويمنح الحكومة المُنتخَبة تفويضًا قويًا لتمثيل الشعب وتطبيق برامجها،على النقيض، فإن انخفاض نسبة التصويت يُضعف الثقة في المؤسسات الديمقراطية ويُعطي إشارات سلبية عن عدم الرضا العام، مما قد يؤدي إلى تزايد حدة الاستقطاب السياسي وعدم الاستقرار،هذا الوضع يمكن أن يؤدي إلى شعور فئات من المجتمع بأن أصواتهم وأولوياتهم غير ممثلة بشكل كافٍ، بالإضافة إلى ذلك، قد يساهم انخفاض نسبة المشاركة في خلق بيئة من عدم الاستقرار.

ارى ان هنالك مجموعة من التحديات التي تواجه تحفيز المواطنين على التصويت ومنها:العزوف السياسي حيث تعاني العديد من الدول من مشكلة العزوف السياسي، حيث يفقد المواطنون الثقة في العملية السياسية نتيجة الفساد أو الإحباط من وعود انتخابية غير مُحققة،وهذا سيؤدي إلى تراجع نسب التصويت ويُضعف المشاركة الديمقراطية،وايضا من التحديات مايتعلق بقلة الوعي السياسي لعدم معرفة المواطنين بحقوقهم الانتخابية وبأهمية التصويت في تحديد مستقبلهم السياسي والاجتماعي حيث يُعدّ من التحديات الكبيرة التي تواجه تعزيز المشاركة في الانتخابات.،بالاضافة الى بعض القيود اللوجستية في بعض المناطق، فقد يُواجه المواطنون صعوبات في الوصول إلى مراكز الاقتراع بسبب بعد المسافة أو نقص المواصلات العامة أو حتى التعقيدات الإجرائية التي تجعل عملية التصويت مرهقة وطويلة،ويمكن اعتبار عدم التمثيل العادل حيث يشعر البعض بأن أصواتهم لن تُحدث فرقًا بسبب هيمنة أحزاب سياسية معينة أو بسبب ان النظام الانتخابي لم ينصفهم، مما يُثنيهم عن المشاركة في العملية الانتخابية.

هل للاحزاب السياسية دوراً في تحفيز المواطنين على التصويت؟ بالتاكيد الاجابة بنعم ،حيث تلعب الأحزاب السياسية دورًا جوهريًا في تحفيز المواطنين على التصويت وتعزيز ثقافة المشاركة السياسية من خلال: التوعية السياسية والإعلامية فينبغي على الأحزاب أن تُنظم حملات توعية تستهدف شرح العملية الانتخابية وأهميتها وتأثيرها المباشر على حياة المواطنين.،من خلال استخدام وسائل الإعلام التقليدية والجديدة، كالمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المواطنين ، اضافة الى التفاعل المجتمعي والميداني من خلال تنظيم لقاءات جماهيرية ومؤتمرات وحوارات مفتوحة مع المواطنين في كافة أنحاء البلاد وهذا يُساهم في تقوية العلاقة بين الأحزاب والمواطنين، يجب أن تكون هذه اللقاءات منصات تفاعلية تتيح للمواطنين التعبير عن آرائهم ومخاوفهم، والاستماع إلى مرشحي الأحزاب وبرامجهم الانتخابية ، تعزيز مبدأ الشفافية والمصداقية حيث تقوم الاحزاب بتقديم مرشحين يتمتعون بالمصداقية والخبرة والكفاءة، ويكون لديهم رؤية واضحة لتنمية المجتمع وتحسين حياة المواطنين، وهذا يُعتبر عاملًا محوريًا لجذب الناخبين وزيادة نسبة المشاركة في الانتخابات،والاهم من وجهة نظري هو تحفيز الفئات الشابة والنساء والتي يجب استهدافها لتشجيعهم على المشاركة من خلال إشراكهم في وضع السياسات وصنع القرارات، وكذلك تعزيز دور المرأة في العملية السياسية عبر ضمان تمثيلها العادل في القوائم الانتخابية.

لضمان تعزيز المشاركة في التصويت، يُمكن اتخاذ مجموعة من الاستراتيجيات الفعالة، منها: التوعية بأهمية التصويت في المدارس والجامعات،ووضع ذلك في المناهج التي تُعزز الوعي السياسي لدى الطلاب، وهذا سيُساهم في إعداد جيل واعٍ ومدرك لأهمية دوره في العملية السياسية، والعمل على تبسيط عملية التصويت من خلال زيادة عدد مراكز الاقتراع، وتوفير وسائل النقل اللازمة للوصول إليها، وتشجيع وسائل الإعلام على تبني دور إيجابي من خلال توعية المواطنين بأهمية التصويت وتبني حملات إعلامية تُشجع على المشاركة، وكذلك تقديم تغطية متوازنة للمرشحين والبرامج الانتخابية ، و ضمان وجود منافسة نزيهة بين الأحزاب السياسية، حيث يكون المواطن قادرًا على الاختيار بين خيارات متعددة ومتنوعة، مما يُشجعه على المشاركة،والاهم من ذلك هو منع اي محاولة للتأثير على إرادة الناخبين من خلال وسائل غير قانونية، كشراء الأصوات أو الترهيب، لأن ذلك يُساهم في فقدان الثقة بالعملية الانتخابية.

إن تعزيز المشاركة في التصويت يُحقق مجموعة من النتائج الإيجابية والفوائد للمجتمع والدولة، منها: ان مشاركة المواطنين بكثافة في الانتخابات تضمن أن يكون هناك تمثيل عادل لمختلف الفئات داخل المجتمع، مما يؤدي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وكلما كانت نسبة المشاركة في الانتخابات مرتفعة، زادت شرعية الحكومة المُنتخَبة، مما يُسهم في تعزيز الاستقرار السياسي، والحكومات التي تتمتع بتفويض شعبي قوي تكون أكثر قدرة على تنفيذ سياسات تنموية فعّالة، مما يُسهم في تحسين مستوى معيشة المواطنين.

إن التصويت ليس مجرد حق للمواطن، بل هو واجب ومسؤولية تجاه الوطن والمجتمع،ان تحفيز المواطنين على التصويت يُعد ضرورة لتعزيز التجربة الحزبية وبناء ديمقراطية قوية ومستدامة، لتحقيق ذلك، يجب أن تتضافر جهود الجميع من مؤسسات تعليمية وإعلامية، وأحزاب سياسية، ومنظمات المجتمع المدني ،للعمل على خلق بيئة تشجع المواطنين على ممارسة حقهم الانتخابي والقيام بواجبهم الوطني، بهذه الطريقة فقط يمكن بناء ديمقراطية حقيقية تكون في خدمة الجميع وتُعزز قيم المساواة والعدالة.