هل أنت شريك في الجريمة أم الضحية؟
محمود الدباس - ابو الليث
08-09-2024 08:26 AM
عندما نتحدث عن الفساد.. نسارع عادة إلى إلقاء التهم على النائب.. أو الموظف أو المسؤول.. لكن دعونا نواجه الحقيقة المرة.. هل نحن نتحمل جزءاً من هذا الفساد؟!.. نعم.. نحن نتحمل جزءاً كبيراً.. لأننا.. بإرادتنا أو رضوخنا.. ساهمنا في صنع هذا المستنقع.
فمن الذي أوصل النائب الفاسد إلى قبة البرلمان؟!.. من الذي قبض المال الأسود وانتخبه؟!.. ألم نكن نعلم.. بل ونتأكد.. أنه فاسد حينما أشرنا على اسمه في أوراق الاقتراع؟!.. ألم نعلم أن هذا النائب الذي أعدنا انتخابه.. كان فاسداً طيلة فترة نيابته السابقة؟!.. ألم نشاهد بأعيننا أداءه المخزي.. وسكوته عن محاسبة المسؤولين.. واهتمامه بمصالحه الشخصية فقط؟!..
وماذا عن المسؤول الذي عيّن ابنك في وظيفة لا يستحقها؟!.. هل نسينا دورنا في دفع أبنائنا إلى مناصب.. على حساب من يستحقها؟!.. نذهب إلى النائب أو الوزير أو المدير العام.. نطلب منه توظيف ابننا.. نعلم تماماً أن ابننا لا يحمل الكفاءة المطلوبة.. لكنه ابننا.. ومصلحتنا الشخصية فوق كل اعتبار.. نتجاوز حقوق المستحقين.. فنقتل مستقبلهم من أجل أن نحقق شيئاً لأنفسنا.. أفلا يكون هذا فساداً من طرفنا؟!.. كيف لنا أن نلقي اللوم على المسؤولين.. إن كنا نحن أول من يطلب منهم التلاعب بالقوانين وتجاوز الأحقية؟!..
إن الفساد لا ينمو.. إلا حينما يجد تربة خصبة.. ونحن للأسف.. هذه التربة.. نرضخ.. نصمت.. نشارك.. وحين نرى الفاسد يعبث.. نسكت.. وكأننا لا نرى.. لا نتحدث عن رشوة قدمناها للحصول على خدمة.. أو طلب لمعاملة سريعة.. نحن بذلك نكون شركاء في صناعة هذا الفساد.. فنحن من وفر الأرضية التي يستند إليها الفاسد.. نحن من زرع فيه القوة لمواصلة فساده..
ورائحة الفساد في بلدنا لا يمكن إخفاؤها.. هذا البلد الذي يعرف معظم أهله بعضهم بعضاً.. الجميع يعلم من هو الفاسد.. ومن الذي اشترى الأصوات.. ومن الذي خان الأمانة.. ولكننا نتحدث في المجالس ولا نتحرك.. نلعن الفساد والفاسدين في أحاديثنا اليومية.. وفي الانتخابات.. نعيد انتخابهم.. كأننا نضع الحبل حول أعناقنا بإرادتنا..
الانتخابات النيابية المقبلة يوم 10 أيلول ليست مجرد حدث عادي.. إنها مرآة تعكس حقيقة مجتمعنا.. هل نحن شعب يستحق الأفضل.. أم أننا جزء لا يتجزأ من هذا الفساد؟!.. إذا اخترنا مجدداً نفس الوجوه التي نعلم فسادها.. أو نفس الأشخاص الذين نطلب منهم المنافع الشخصية على حساب الوطن.. فنحن الفاسدون قبل أن يكونوا هم.. إذا كان خيارنا هو من يملأ جيوبه بمال الحرام.. فنحن نمنحه إذناً بقتل مستقبلنا.. مستقبل أبنائنا.. ومستقبل الوطن كله..
ولا تنسَ أن النائب مهما كان.. لديه هامش محدود للحركة والمناورة.. فهو مقيد بنظام سياسي وتشريعي يحدد صلاحياته.. لكن ضمن هذا الهامش المحدود.. يستطيع أن يكون نائب وطن إن أراد.. يستطيع أن يحدث فرقاً إن امتلك الضمير والنية.. إذا أحسنا الاختيار اليوم.. فإننا نبني طريقاً نحو التغيير.. طريقاً قد يبدو صعباً وطويلاً.. لكنه الخطوة الأولى نحو مستقبل أفضل..
علينا أن نعي أن مسؤوليتنا اليوم تتجاوز أنفسنا.. إنها مسؤولية أخلاقية تجاه هذا الوطن.. فإذا كان الفساد قد تغلغل في مؤسساتنا.. فنحن من سمح له بذلك.. نحن من بارك للنائب والمسؤول الفاسد بطلباتنا ومصالحنا الضيقة.. ونحن من رفعهم إلى تلك المناصب.. لكن اليوم.. لا يزال الوقت متاحاً.. بإمكاننا التراجع.. بإمكاننا إعادة الحسابات.. بإمكاننا اختيار الطريق الأفضل..
أنت لست مجرد ضحية للفساد.. أنت شريك فيه.. سواء بصمتك أو بخضوعك أو بمشاركتك.. والقرار بيدك الآن.. إما أن تكون بداية التغيير.. أو أن تكون النهاية لكل أمل في غدٍ أفضل.. فالفساد لا يقف على شخص بعينه.. إنه نظام متكامل.. ونحن جزء من هذا النظام.. إذا لم نواجهه بجرأة وصراحة.. وإن لم نصحح مسارنا.. سنكون نحن الضحية الأولى والأخيرة.. فلا تسأل بعد ذلك "لماذا الفساد ينتشرِ؟!".. بل اسأل نفسك "هل كنت شريكاً في صناعته؟!"..