في الساحة السياسية الأردنية، تتردد العديد من الشعارات التي تحمل في طياتها رسائل سياسية واجتماعية ذات تأثير على الرأي العام. من بين الشعارات التي ذاع صيتها عبر السنوات، شعار "الوطن للجميع" الذي رفعه معالي الدكتور ممدوح العبادي. هذا الشعار يتسم بالوضوح والبساطة، ويحمل معاني عميقة تتعلق بالمواطنة المتساوية والوحدة الوطنية، ويعكس رؤية قائمة على أن الوطن ملك لجميع أبنائه دون تمييز. الجميع فيه شركاء في الحقوق والواجبات، ولا مجال فيه للتفرقة على أساس الدين أو الأصل أو الطبقة الاجتماعية.
شعار "الوطن للجميع" حظي بقبول واسع لأنه يتحدث بلغة تخاطب مختلف فئات المجتمع بشكل مباشر. فهو يعزز مبدأ المواطنة ويؤكد على أن الوحدة الوطنية هي الأساس الذي يجب أن يقوم عليه أي وطن يسعى إلى الاستقرار والازدهار. تحت هذا الشعار، يكون جميع المواطنين سواسية أمام القانون، ويتحملون المسؤولية الجماعية في بناء الوطن والحفاظ على مكتسباته. بهذا المفهوم، أصبح الشعار رمزًا للوحدة والتكاتف، وشعارًا يتردد في أذهان الناس عندما يتحدثون عن المساواة والعدالة الاجتماعية.
لكن في ظل التحولات السياسية والاجتماعية، برزت شعارات جديدة تحمل دلالات مختلفة، منها شعار حزب الميثاق: "الوطن يتسع للجميع". وعلى الرغم من أن هذا الشعار قد يبدو قريبًا في مظهره من شعار "الوطن للجميع"، إلا أن الفارق بينهما كبير في الدلالة والمعنى. الفارق ليس فقط في الصياغة، بل في الرسالة التي يسعى كل منهما إلى إيصالها، والتي تحمل أبعادًا اجتماعية وسياسية مختلفة.
"الوطن يتسع للجميع" قد يُفهم على أنه دعوة لتوسيع دائرة الانتماء لتشمل فئات جديدة، قد تكون خارج النسيج الاجتماعي والسياسي التقليدي للوطن. وهنا يثار السؤال: من هم هؤلاء "الجميع" الذين يتحدث عنهم الشعار الجديد؟ هل الشعار يشير إلى فئات معينة من المجتمع؟ أم أنه يفتح الباب لفئات جديدة، كالمهاجرين أو اللاجئين، للانضمام إلى النسيج الوطني؟
في ظل التحديات التي تواجه الأردن والمنطقة، مثل قضايا التوطين والتهجير واللاجئين، يصبح طرح شعار مثل "الوطن يتسع للجميع" حساسًا. فقد يتبادر إلى الذهن أن هذا الشعار يعكس نية لاستيعاب مزيد من الفئات الجديدة، وهو ما قد يثير قلق بعض الفئات التي تشعر بالتهديد من أي تغيير في البنية الاجتماعية القائمة. فالأردن، بتركيبته الاجتماعية والسياسية، يواجه تحديات عديدة ترتبط بالمحافظة على هويته الوطنية وتماسكه الاجتماعي، في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات عميقة، خاصة فيما يتعلق بقضية اللاجئين.
شعار "الوطن للجميع" يعكس رؤية واضحة: الوطن لأبنائه، والجميع متساوون فيه. إنه شعار يعزز مفهوم العدالة الاجتماعية والمساواة، ويعكس التزامًا بالوحدة الوطنية. بينما شعار "الوطن يتسع للجميع" قد يُفهم على أنه يتحدث عن وطن يفتح أبوابه لفئات جديدة، وهو ما يثير مخاوف حول مدى قدرة المجتمع على استيعاب هذه التغييرات دون التأثير على هويته وتماسكه.
عند تحليل الفوارق بين الشعارين، يتضح أن الفارق ليس لفظيًا فقط، بل هو فارق في الرؤية السياسية والاجتماعية. شعار "الوطن للجميع" يعبر عن موقف ثابت وواضح يدعو إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية وتعزيزها من خلال تحقيق المساواة بين المواطنين كافة. بينما شعار "الوطن يتسع للجميع" قد يُفهم على أنه دعوة لتوسيع هذه المساواة لتشمل فئات جديدة، وهو ما قد يثير جدلًا في ظل الظروف الحالية.
القضية ليست مجرد شعارات تُرفع في الحملات الانتخابية أو تردد في الاجتماعات الحزبية، بل هي تعبير عن رؤى سياسية ترتبط بمستقبل الوطن وهويته. شعار "الوطن للجميع" يدعو إلى توحيد الصفوف والتمسك بمفهوم المواطنة الحقة التي تقوم على المساواة والعدالة. بينما قد يحمل شعار "الوطن يتسع للجميع" دلالات تتعلق بالانفتاح على فئات جديدة، وهو ما يثير تساؤلات حول تداعيات هذا الانفتاح على الهوية الوطنية الأردنية.
في ظل التحديات الإقليمية، مثل الضغوط المتعلقة باللاجئين والتهجير القسري، قد يُفهم الشعار الجديد على أنه دعوة لاستيعاب المزيد من اللاجئين أو المهاجرين ضمن المجتمع الأردني. لكن هذا قد يثير تحفظات لدى البعض الذين يشعرون بأن استيعاب مزيد من الفئات سيؤثر سلبًا على التوازن الاجتماعي والاقتصادي، وسيضع ضغوطًا إضافية على البنية التحتية والخدمات العامة. في هذا السياق، قد يكون شعار "الوطن للجميع" أكثر ملاءمة لتوجيه رسائل الوحدة الوطنية وتعزيز الاستقرار الداخلي في ظل هذه التحديات.
إن الفارق بين الشعارين يعكس اختلافًا في الأولويات والرسائل السياسية التي يُراد إيصالها. ففي حين أن شعار "الوطن للجميع" يركز على تعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية داخل حدود الوطن، يبدو أن شعار "الوطن يتسع للجميع" يتبنى رؤية أكثر انفتاحًا، ولكنه يفتح المجال لتفسيرات قد تكون مثار جدل بين فئات المجتمع المختلفة.
في نهاية المطاف، يجب أن نُدرك أن الشعارات ليست مجرد كلمات تُردد في سياقات سياسية معينة، بل هي تعبيرات عن رؤى ترتبط بمستقبل الوطن ومصيره. وبينما يظل شعار "الوطن للجميع" شعارًا ثابتًا يعبر عن قيم العدالة والمساواة والمواطنة الحقة، قد يواجه شعار "الوطن يتسع للجميع" تحديات في تفسيره وتقبله لدى فئات واسعة من المجتمع.
حفظ الله الأردن وحفظ الله جلالة الملك عبدالله الثّاني بن الحسين وولي عهده الأمين.