صحيح أن أوضاعنا الاقتصادية صعبة ومعقدة، وأننا في الأردن أمام تحديات كبيرة على الصعيدين المالي والاقتصادي.
ولكن ذلك لا يمنع أحيانا من الابتعاد عن التحليل التقليدي، والنظر بعين النقد والتدقيق لأبسط المسلمات التي نستند عليها في تقييمنا للأمور.
وهنا الحديث تحديدا عن أرقام البطالة التي تقول الإحصاءات الرسمية أنها تصل إلى حوالي 22% بشكل عام، و40% بين فئة الشباب.
ونحن هنا لا نريد تجميل الصورة أو تلميع الواقع الصعب. إلا أن الانطباع "غير العلمي" يدفع بعدد من التساؤلات إلى الواجهة.
فهل من المعقول أن نصف شبابنا بلا عمل؟ وهل هؤلاء المتعطلين يجدون عملا بعد انقضاء فترة معينة؟ وهل من الطبيعي وجود دولة قوية ومتماسكة كالأردن بينما نصف شبابها عاطلون عن العمل؟
حتى نبتعد قليلا عن الانطباعات، ونمنح قدرا أكبر من الموضوعية، يمكن مقارنة الأردن بالدول التي يتفوق عليها، وبعض الدول التي تتفوق عليه بمعدلات البطالة.
الدول الأسوأ من الأردن هي فقط جيبوتي، وليبيا، وجنوب أفريقيا، وكوسوفو، وبتسوانا، والكونغو.
ومن الدول الأفضل من الأردن ناميبيا وباكستان والسودان وجنوب السودان وفلسطين والصومال وسريلانكا ولبنان وأنغولا ومصر.
لا يبدو مقنعا أن يكون الأردن قريبا أو أسوأ من هذه الدول في مجال البطالة.
فمجموعة الدول المذكورة إما أقل من الأردن في مستوى الدخل، أو تمر بحالة عدم استقرار أمني وسياسي، أو أنها في مقدمة النصنيف العالمي من حيث عدم عدالة توزيع الدخل (الأردن في المنتصف).
النظر إلى البيانات التاريخية للبطالة في الأردن يعزز من أهمية إجراء مراجعة عاجلة لإحصاءات العمل والتشغيل.
فبعد أن استمرت معدلات البطالة تحوم حول معدل 12% لسنوات، قفزت الأرقام خلال حكومة هاني الملقي ب 4% من 14% إلى 18% خلال أقل من عامين. أي أكثر مما زادت به مرورا بأزمة الكورونا.
وعند سؤال رئيس الوزراء، أفاد بأن سبب الارتفاع ليس تزايد البطالة فعليا بل تعديل الإحصائيات لتعكس الواقع.
من المهم أن تقوم الحكومة الحالية أو القادمة بالعودة إلى ما تم من تعديلات على المنهجية الإحصائية في عهد الرئيس الملقي، وتسبب برفع أرقام البطالة بهذا الشكل.
كما أن علينا الانتباه إلى ثقافة التحفظ والإحجام عن تزويد الجهات الرسمية بالمعلومات، وثقافة الريع التي تدفع الكثيرين إلى اعتبار أنفسهم متعطلين طالما لم يعملوا في أجهزة الدولة أو يحققوا طموحاتهم العملية والمالية على أكمل وجه. ولا ننسى طبعا من يعملون من المنزل، وعبر التطبيقات، وفي مختلف مهن ووظائف اقتصاد الظل.
بكل الأحوال، يمكن بعد إجراء المراجعة المقترحة أن تثبت صحة التقديرات، ويثبت أن الواقع فعلا أصعب مما يظنه الكثيرون.
ولكن تبقى هذه المراجعة مطلوبة وبأسرع وقت.